الجمعة: 2006.06.02
خيرالله خيرالله
قبل سنة، في الثاني من حزيران - يونيو 2005 ، أستشهد في بيروت الزميل الحبيب سمير قصير الذي كان يشرّف بأنتاجه الفكري وأخلاقه وسيرته ونقائه وصدقه وعفويته لبنان وفلسطين وسوريا، الأوطان الثلاثة التي ينتمي اليها بطريقة أو بأخرى.كان سمير شخصاً أستثنائياً الى حدّ يصعب على الذين عرفوه تجاوز الآلام الشخصية والأكتفاء بالحديث عن الزميل الذي لم يفقد يوماً البوصلة السياسية الصحيحة والذي سعى في أستمرار الى تقديم صورة أفضل عن العرب والعروبة الى العالم. المحزن أن أياد عربية أغتالت سمير قصير الذي خدم أمّته وأستشهد من أجلها ومن أجل مستقبل أفضل للبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعرب عموماً. هذا جزاء من يسعى الى خدمة أمّته في هذا الزمن الرديء الذي صارت فيه العمالة بطولة وصار الترويج للبنان quot;الساحةquot; عنواناً للوطنية وصارت فيه الدعوات ذات الطابع الطائفي والمذهبي تصّور وكأنّها حرب على أسرائيل في حين أنها ذروة ما يخدمها.
لا بدّ من التساؤل بأستمرار ما الذنب الذي أرتكبه سمير قصير كي تمتد أليه يد الغدر؟ هل وراء الجريمة تصدّيه الباكر للنظام ألأمني السوري- اللبناني وتحذيره من أنّ هذا النظام يقود لبنان وسوريا الى كارثة. وهذا ما حصل بالفعل. هل ذنبه أنّه كان رجلاً صادقاً وحرّاً بكلّ معنى الكلمة، صادقاً وحرّاً الى درجة أنه رفض في كلّ ألأوقات والظروف كلّ أنواع الأغراءات وحافظ دائماً على مبادئه وتمسّك بها الى أبعد حدود على الرغم من كلّ الضغوط التي تعرّض لها. يا لها من ضغوط كبيرة يصعب على الأنسان العادي التي لا قضية لديه تحملها. كنت شاهداً على بعض ما تعرّض له سمير قصير الذي بقي شامخاً متحدياً آلة القمع والأرهاب. وهذا يطرح في ختام المطاف هل الموت ثمن من يتمسّك بعروبته وبمبادئه؟
لم يكن سمير قصير شخصاً عادياً ليس بسبب رفضه الدائم لأي نوع من المساومات فحسب، بل لأنه أمتلك أيضاً مواهب لم يمتلكها غيره بما فيها حسّه السياسي المرهف ورفضه التعاطي مع التافهين. لم يكن ممكناً أن تكون تافهاً وأن تكون صديقاً لسمير قصير في الوقت ذاته. كان الصديق الحبيب قادراً على أستشفاف المستقبل، ولذلك لم يخطئ في أيّ شكل عندما كتب عن quot;ربيع دمشقquot; وعن ضرورة خروج النظام السوري من الوضع الحرج الذي أدخل سوريا فيه ومعها لبنان من دون أن ينسى في أيّ لحظة ما أرتكبه هذا النظام في حقّ فلسطين والفلسطينيين معتمداً على المزايدات ليس ألاّ.
ربّما كان ذنب سمير قصير أنّه سمّى الأشياء بأسمائها باكراً. لم يتورع عن كتابة مقال quot;عسكر على مين؟quot; الذي عرّى فيه أميل لحّود ومساعديه، أو على الأصحّ الذين كانوا مكلّفين بمراقبته وجعله لا يحيد عن الدرب المرسوم له وكشف هؤلاء على حقيقتهم في وقت كانت الشجاعة تنقص كثيرين. وعشيّة أستشهاده، كان سمير قصير ينظر الى المستقبل معتمداً على أن حلم الأستقلال الذي ساهم في صنعه صار حقيقة. وفي المطعم الصغير الذي جلسنا فيه معاً برفقة زوجتي والصديقين مالك مروّة وجاد ألأخوي، في غياب جيزيل بسبب وجودها في الولايات المتّحدة، كان سميريفكّر بصوت عال في مقال من النوع نفسه للتحذير من أميل لحّود آخر أسمه ميشال عون. وكان مفترضاً أن يكون عنوان المقال quot;رسالة الى صديق عونيquot;. كان خوف سمير قصير من التصرفات الغريبة التي بدأ يقدم عليها ميشال عون في محلّه. وأثبتت الأحداث اللاحقة صحّة هذه المخاوف بعد أنضمام ميشال عون الى يتامى النظام الأمني السوري- اللبناني.
لم يتردد سمير قصير يوماً في قول ما يجب أن يُقال وكان يعرف أن ذلك يمكن أن يكلّفه حياته يوماً. لكنّه لم يأبه لحظة بالموت حتّى عندما كان ملاحقاً أربع وعشرين ساعة في اليوم من عناصر تابعة للواء جميل السيّد المدير السابق للأمن العام الذي صنع أميل لحوّد والذي أراد الذهاب الى حدّ التشكيك بلبنانية أشرف اللبنانين، أيّ بلبنانية سمير قصير من أجل أخضاعه. لكنّه فشل في ذلك بفضل صلابة سمير التي لم يقو عليها سوى الغدر. الغدر، أي سلاح الجبناء.
على الرغم من حال الأحباط التي تسود لدى كثيرين في لبنان وخارجه، يبدو أن حلم سمير قصير سيتحقّق وان دم رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما لن يذهب هدراً، كذلك دم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني والشهيدين الحيّين مروان حماده وميّ شدياق. ومهما قيل ويقال عن أن النظام السوري أستعاد المبادرة، لا يمكن ألاّ النظر الى الأمور بعين سمير قصير. العين التي لم تخطئ. العين التي ترى لبنان حرّاً مستقلاًّ قادراً على ممارسة دوره من أجل أن يكون نموذجاً لما يفترض أن يكون عليه العرب خصوصاً القريبين منه في القرن الواحد والعشرين.
لم يفشل لبنان، لم يفشل سمير قصير، لم يفشل كلّ الذين ضحوا بدمهم من أجل لبنان واللبنانيين والعروبة الحقيقية بعيداً عن الشعارات والجرائم التي أرتكبت في حقّهم وفي حقّ العروبة والتي لا تخدم سوى أسرائيل. من كان يصدّق أن العالم سيدعو النظام السوري يوماً الى تبادل العلاقات الديبلوماسية مع لبنان والى رسم الحدود مع لبنان خدمة لسوريا ولبنان في آن. من كان يصدّق أن التحقيق في أغتيال الشهيد رفيق الحريري سيذهب الى النهاية من أجل كشف الحقيقة وكشف العلاقة بين كلّ الجرائم التي أرتكبت في حقّ أشرف اللبنانيين والعرب؟ ذلك هو عزاؤنا يا جيزيل التي يتأكد لدينا كلّما نظرنا أليها أن سمير حيّ لأن حلمه حيّ فيها. عزاؤنا أن سمير كان على حقّ وكان الأشجع بيننا. ولذلك سبقنا الى الشهادة على درب رفيق الحريري ورفاقه الأبرار...













التعليقات