الإثنين: 2006.06.19

جورج روبرتسون
*أمين عامِ منظمة حلف شمال الأطلسي (1999-2003).

هنالك شيء سريالي الى حد ما في عالم ما وراء الاطلسي اليوم. حيث توجد وجهتا نظر مختلفتان تماما باستمرار حول العراق في جانبي المحيط، واللتين لايمكنهما الاتصال ببساطة.يوجد اليوم في بغداد حكومة منتخبة مؤلفة من جميع الفئات، وهي تكافح من اجل احكام قبضتها على الامن. لكن العديد من الاوربيين يقفون متفرجين على ما يحدق بوجوههم وكأن اي تفجر للوضع في العراق سيكون مشكلة للاميريكيين وحدهم وليس للاوربيين ايضا.
فكلما استمر العراق بهذا الوضع المتأزم سيأتي وقت تصل فيه موجات الاهتزاز الى العواصم الاوربية قبل ان تصل الى واشنطن او شيكاغو او سان فرانسيسكو. ففي عالم العولمة يعتبر الشرق الاوسط فناءنا الخلفي القريب وانه لمنطق يفتقر للمسؤولية وذو ابعاد تاريخية حقا ان نقول للولايات المتحدة quot;انت التي كسرتها فاصلحيهاquot;.
وستكون خيانة تهكمية لمصالح وحيوات شعبنا اذا لم تقدم بلدان معينة يد العون خوفا من ان تساهم بارتفاع نسبة شعبية رئيس الولايات المتحدة الحالي.
المتوازيات التاريخية ليست مفيدة دائما، لكن ربما على النخب الاوربية ان تعيد قراءة بعض كتب التاريخ لعامي 1939 و1940 عندما وقفت الولايات المتحدة طويلا على الخطوط الجانبية تساندنا في وقت كان النازيون فيه يقتحمون اوربا مبتلعين بولندا وهولندا وبلجيكا وفرنسا.
تبنت قيادة الولايات المتحدة والعديد من سكانها فكرة ان المعركة ليست معركتهم، ومهما كان نوع الخطر الذي يتهدد اوربا فعلى الاقل كانت امريكا آمنة.
حسنا. امريكا لم تكن آمنة. اخبر بيرل هاربور اولئك الامريكيين عما يعرفونه اصلا، لكن كانوا يرفضون الاعتراف به. فتدخلهم في تلك الحرب انقذهم كما انقذنا بالتأكيد. ومن المؤكد ان تلك التجربة حفرت في قلب كل أوربي لتوصل رسالة ان لااحد منا محصن من قوى الفوضى والدمار واللا نظام في حال اطلق عنانها.
فأذا ما نجح الارهابيون في العراق فأنهم لن يتوقفوا عنده ndash; ولن يكون احد حينها في سلام او امان لوقت طويل جدا.
ونحن الاوربيين نعي النتائج. فليس علينا ان نسترجع كابوس عام 1940 والتراجع من دنكيرك حيث نستطيع ان ننظر عشر سنوات للوراء لكوابيس دول البلقان بعد يوغسلافيا. فقد بدت حينها كئيبة كما هو العراق اليوم. من حيث القتل وهمجية العصور الوسطى وتصفيات السكان الوحشية والبؤس الانساني المتدفق من همجية التداخل الطائفي ndash; هذا كلة طغى على شاشات التلفاز اليومية.
كان قلة من الناس يعتقدون انه سيكون هناك سلام اصلا. وحتى المتفائلون ظنوا انه لو اوقف الاعياء الذبح في النهاية سيكون على الاجيال القادمة ان تحقق السلام الدائمي ونوعاً من المصالحة.
اذا كان كل ذلك يشبه بغرابة الاوضاع اليوم في العراق، فذلك يعكس شيئا واحدا وهو ان العنف الفردي في البلقان كان اسوأ واعمق بكثير منه في العراق اليوم.
لكننا عرفنا ما الذي يجب عمله في 1995. فلقد اوقف الحل العسكري الحاسم القتال. وانهت القوة الدولية الضخمة المؤلفة من 65000 جندي من حلف الناتو وبضمنها (قوات من روسيا واوكرانيا ودول مسلمة كتركيا والاردن والمغرب والامارات) كل مواقع النزاع. وبذلت الامم المتحدة افضل ما في وسعها وطور الاتحاد الاوربي خطة مساعدة انخرط العالم الخارجي فيها عسكريا ودبلوماسيا وماليا
النتيجة..كانت دولة فعالة اليوم مع اعداد كبيرة من اللاجئين العائدين لوطنهم وجيش موحد ووزارة دفاع واحدة وليس هذا فحسب لكن مع فريق يشارك في الالعاب الاولمبية كما ونجحت اغنية البوسنة والهرسك باحتلال المرتبة الثالثة في مسابقة الاغنية الاوربية الشهر الماضي.
فمن 65000 جندي قبل عشر سنوات مضت تحت سيطرة حلف الشمال الاطلسي لدينا اليوم 6000 امر قوات شبه عسكرية من الاتحاد الاوربي. وحتى اكثر المتفائلين اندفاعا لم يتجرأوا على تمني مثل هذا النوع من النتائج في 1995 .
لكن ذلك لم يكن مجرد حادث او عمل ناتج من الايثار الانساني وحده. فقد كان يجب فعل ذلك لان تفجر العنف ووضعية اللاجئين وعدم الاستقرار والاجرام هددنا هنا في اوربا المستقرة، فنحن نعلم ان علينا ان نتصرف بحزم فيما يمس مصالحنا الخاصة.
آن الاوان ليدرك الزعماء الاوربيون ان ما يحصل اليوم في العراق مرتبط بمستقبلهم ايضا. ان الوضع في العراق اليوم صعب ومعقد ودموي، لكن كل ذلك لم يردعنا قبل ستين سنة او عشر سنوات في البوسنة او حتى قبل سبع سنوات في كوسوفو.
نحن نعرف ما الذي علينا فعله، وقد فعلناه سابقا لانقاذ شعبنا والحفاظ على امنه. وفي يغداد اليوم الوضع مرتبط باصلاح او تدمير مستقبلنا ايضا فعلينا التوقف عن غض نظرنا.