السبت: 2006.07.01


هناك شخص خفي يتابع كل ما يجري في المحاكمة ويرسل بتعليماته للقاضي أولاً بأول
قرار منعي من دخول المحكمة جائر.. وألزمني به الأمريكيون بالقوة
صدام مغيب عن أحداث العالم لكني أخبرته بأهمها خاصة الملف النووي الإيراني
لا أستبعد أن يكون بوش في زيارته الأخيرة لبغداد قد التقى بصدام


حاورها - المصطفى العسري - الراية



اتهمت المحامية اللبنانية بشرى الخليل عضو فريق الدفاع عن الرئيس العراقي المعتقل صدام حسين ورفاقه، القوات الأمريكية بالوقوف وراء عملية اغتيال زميلها خميس العبيدي الذي اغتيل الأسبوع الماضي، بعد أن رفعت حمايتها عن فريق الدفاع ليواجه مصيره المحتوم،بشرى الخليل التي تنتمي لبيت شيعي من جنوب لبنان، وتحديدا المذهب الجعفري، حيث تقول عن نفسها raquo;أنا جعفرية اثني عشريةlaquo; ذكرت في حوارها مع raquo;الرايةlaquo; أن حكم الإعدام جاهز بحق صدام حسين وأعوانه، معتبرة أن المحكمة المهزلة التي يسيرها خبراء أمريكيون بينهم خبراء يهود غير شرعية وارتكبت مجموعة من الأخطاء، الواحد منها كفيل بالطعن في شرعيتها.
وعند تحدثها عن وضعية صدام حسين داخل المعتقل ذكرت أنها استشفت في إحدى الجلسات معه والتي حضرها وزير العدل الأمريكي السابق raquo;رامزي كلاركlaquo; أن الإدارة الأمريكية هي في مفاوضات مستمرة مع الرئيس العراقي المعتقل.
وفيما يلي نص الحوار:

نبدأ بحادثة اغتيال محامي الدفاع خميس العبيدي، كيف تلقت المحامية بشرى الخليل هذا النبأ؟
- طبعا حزنت كثيرا، فالأستاذ خميس كان زميلاً لي في أكثر من ملف، وخلال أيام المحاكمة نشأت بين فريق الدفاع علاقة أخوة رائعة، على اعتبار أننا كنا ننزل في إقامة واحدة داخل المنطقة الخضراء، حيث كنا نقضي أربعة إلى خمسة أيام ومع بعض كعائلة واحدة، وبالتالي كان من الطبيعي أن أحزن عندما سمعت بالجريمة، لكن مع ذلك لم أفاجأ بحادثة الاغتيال، ليس اغتيال الأستاذ خميس العبيدي نفسه، ولكن بحادثة الاغتيال في حد ذاتها، لأنني كنت متوقعة ذلك منذ وجودي الأخير في بغداد المحتلة، حيث أني غادرت بغداد ولآخر مرة بتاريخ 25 مايو ، ففي ذلك اليوم وبعد مراقبتي للإجراءات الأمنية الأمريكية، وكيف أن فريق الحماية الأمريكية تخلى عن العديد من الإجراءات حتى أصبحنا كلقمة سائغة أمام الآخرين، شعرت بأن هذا الأمر مقصود وأن هناك حوادث اغتيال وتصفيات للمحامين ستقع.
كفريق دفاع ألا تخشون على حياتكم من هكذا مجازفة خاصة بعد مقتل 3 من هيئة الدفاع؟
- أكيد إن الشعور بالخطر موجود، فأنا بالذات وقبل مقتل زميلي خميس العبيدي بحوالي 36 ساعة تعرضت لتهديد عبر الهاتف، وقد أخذت التهديد على محمل الجد بالنظر إلى نوع التهديد ومصدره، وتقدمت بشكوى إلى النيابة العامة الاستئنافية ببيروت والتحقيق جار حاليا في الموضوع، وقد كان ذلك قبل مقتل زميلي العبيدي بيوم أو يوم ونصف.

البعض يلاحظ أن هيئة الدفاع مقصرة في الاتصال بالمنظمات الدولية، إذا ما تجاوزنا تحركاتكم العربية؟
- شخصيا، قمت بالتحرك خاصة فيما يخص ملف الأستاذ طه ياسين رمضان (نائب الرئيس العراقي المعتقل) تحركت بعد تعرضه للتعذيب الجسدي، حيث أرسل لي رسالة يصف فيها أعمال التعذيب التي تعرض لها، وقد قمت بتوجيه رسالة إلى السيد كوفي عنان حيث طالبته فيها بإرسال لجنة مناهضة التعذيب للقيام بواجباتها المنصوص عليها قانونا والبحث في اتهامات موكلي رمضان وما تعرض له. بعد الحادثة التي جرت بعد طرد قاضي المحكمة لي من قاعة المحاكمة المهزلة ربطت الاتصال مع أكثر من منظمة دولية، ومنظمات حقوق الإنسان عن طريق إرسال رسائل شرحت فيها ما حصل معي وتأثيره على نزاهة المحاكمة، إضافة إلى الاتصال بالنقابة الجنائية الدولية التي بادر مجلسها إلى عقد مؤتمر لها بلبنان، وقد شاركت في أعمال وطرحت القضية على نطاق واسع، وكان هناك تجاوب من قبل أعضاء مجلس النقابة والمشاركين في هذا المؤتمر الذي صدرت عنه إدانة لما يحدث في المحكمة ككل من إجراءات سواء تلك التي جرت معي، أو كامل الإجراءات التي تتم وما يواكبها من خروق قانونية سواء للقانون الدولي أو القوانين المحلية، وقد وقفت النقابة الجنائية الدولية على كل ذلك وسترسل خلال الأيام القليلة القادمة رسالة في الأمر إلى المحكمة لإثارة نظرها خاصة تقصيرها مع المتهمين وفريق الدفاع وانحيازها إلى الإدعاء العام.

فيما يخص رسائلكم الموجهة إلى الأمم المتحدة وأمينها العام كوفي عنان لا نرى أي تحرك على الأرض، خاصة وأن العراق حاليا هو محتل وتحت الوصاية الدولية؟
- ليس هذا هو التقصير الوحيد من قبل الأمم المتحدة، فهناك تقصير كبير جرى منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه التهديدات بالعراق الذي كان قد خضع لمختلف القرارات الأممية من حيث التفتيش والتجاوب مع لجان التفتيش التي كانت تزور العراق باسم الأمين العام، وقد وضعت القيادة العراقية المعتقلة حاليا رهن إشارة الأمم المتحدة كل ما طلبته منها ، حيث سمحت لها بتفتيش مختلف المؤسسات والمنشآت والمصانع، ومع ذلك وحين اتهمت الإدارة الأمريكية العراق بتصنيع أسلحة دمار شامل وتخزينها بعيدا عن أعين مفتشي الأمم المتحدة لم تحرك الأخيرة ساكنا لتمنع هذا العدوان على العراق والعراقيين بالرغم من أنها كانت تدرك بأن العراق ليست لديه أية أسلحة دمار شامل.
نفس ما جرى، يتكرر الآن على أكثر من مستوى، فأنا عندما أطلعت سعادة الأمين العام على ما جرى مع موكلي من وسائل تعذيب كان حرياً بلجنة مناهضة التعذيب أن تتحرك فورا للاطلاع على ما يجري في السجون العراقية، خاصة المعتقل الذي تحتجز فيه القيادة العراقية، وتعامل فيه أسوء معاملة.
ويمكن أن نضم هذا التقصير إلى لائحة التقصير الأممية فيما يخص القضايا العربية، فأنت تعلم أن العديد من القرارات الدولية صدرت بشأن فلسطين ولبنان والعراق ولم تجد طريقها إلى التنفيذ، وكأن هذه المنظمة - وأنا آسفة لهذا الكلام - أصبحت تابعة بشكل أو بآخر لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما نأسف له، فالسقف الذي يمكن أن يحمي الدول الصغيرة والضعيفة والمستضعفة أصبح في خدمة الدول العظمى.

بالرغم من تشابه القضايا التي يتابع فيها صدام حسين مع الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور وسابقه الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوزوفيتش، إلا أننا لاحظنا كيف تم نقل تايلور إلى لاهاي لإخضاعه لمحاكمة دولية، وسط ضمانة أمنية لفريقه القانوني وبطريقة محترمة حيث بدا في كامل أناقته؟

- من الواضح أن الإدارة الأمريكية تستخدم هذه المحاكمة لأسباب سياسية سواء مع السلطة الحالية في العراق، أو مع إيران أو مع الأطراف الإقليمية الأخرى. فما يجري في هذه المحكمة هو أشبه بالمسرحية الهزلية، هناك هرطقة قانونية تمارس أمام أنظار العالم، أضف إلى ذلك أن هذه المحكمة تنص على عقوبة الإعدام، في حين أن المحاكم الدولية لا وجود لعقوبة الإعدام فيها، حتى هنا لم نر تحركا من سعادة الأمين العام، باستثناء إبدائه للاستياء من هذه المحكمة، لكنه على أرض الواقع لم يحرك ساكنا، علما أن المحاكم المخصصة للمحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي اختصاص وشأن خاص للأمين العام للأمم المتحدة وللمنظمة، يعني لا يحق لأي سلطة محلية أن تشكل محكمة للمحاكمة على هذا النوع من الجرائم، ويجب أن يكون القانون الدولي هو السقف الذي تجري تحته المحاكمات. وقد رأينا هذه المحكمة تتعدى على صلاحيات الأمين العام وعلى صلاحيات الأمم المتحدة ومع ذلك لم يصدر أي رد عن سعادة كوفي عنان سوى امتعاضه من هذه المحكمة، ورفضه إرسال قضاة محكمة لاهاي للمشاركة في الدورات التدريبية التي خضع لها قضاة المحكمة العراقية في بريطانيا، وأظن أن عقوبة الإعدام التي تنص عليها هذه المحكمة الغريبة هي السبب الرئيسي الذي يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية تحصر صلاحية محاكمة الرئيس صدام حسين ورفاقه في يد المحكمة العراقية.

حدثينا عن الكيفية التي تصلون بها إلى قاعة المحكمة انطلاقا من نقلكم من مطار بغداد وإلى وصولكم قاعة المحاكمة بالمجمع الرئاسي السابق داخل المنطقة الخضراء؟
- سؤال جيد، لأنه يكشف ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية في اغتيال زميلنا الأستاذ خميس العبيدي، فقبل ذهابي للعراق في المرة الأولى كتبت وصيتي وسلمتها إلى صديقة لي ولم أخبر أي أحد من أفراد عائلتي بأنني ذاهبة إلى العراق، حيث كنت جد قلقة وغير مطمئنة إلى ما يمكن أن يجري معي في العراق، لكن وعندما وصلت إلى مطار بغداد على متن طائرة أردنية أنا ورفاقي، وبمجرد نزولنا من الطائرة وجدنا عند سلمها فريقاً أمنياً أمريكياً ينتظرنا بسيارة خاصة تابعة له، حيث قام بنقلنا إلى مبنى المطار حيث أجلسونا في غرفة تحت حراستهم، وقاموا خلال ذلك بأخذ جوازات سفرنا ووضعوا عليها تأشيرات الدخول، ولم يسمحوا لي بالتقدم في اتجاه الحقائب ولو لسنتمترات، وقالوا لي raquo;ابقي هنا، ونحن سنتكفل بالحقائبlaquo;، وحرصا على أمننا منعت أي مواطن عراقي من التقدم نحونا، وبالتالي كانت الإجراءات الأمنية دقيقة إلى هذا الحد، بعد ذلك وضعونا في سيارة مقفلة نقلتنا إلى مطار عسكري انطلقنا منه عبر طائرة عمودية من نوع كوبرا في اتجاه المنطقة الخضراء ، التي نقلنا فيها من مهبط الطائرة إلى الفيلا التي أقام فيها فريق الدفاع عبر سيارات مصفحة، وقد كان يقطن معنا في نفس الإقامة ضباط أمريكيون، وبالتالي تلاحظ منتهى الدقة وإجراءات في غاية الأمان.
في صباح يوم المحاكمة كانت هناك سيارات مصفحة يجلس في كل سيارة اثنان من المحامين برفقة حرس وضباط أمريكيين، يدخلون بنا بعد ذلك إلى مقر المحكمة التي لا تبعد عن مقر الإقامة سوى بخمس دقائق، ولا يدعون الأمن العراقي الاقتراب منا حتى لمراقبة جوازات سفرنا.

هذه الإجراءات التي جعلتني أطمئن إلى أمني الشخصي، هي التي تخلى عنها الأمريكيون في آخر مرة ذهبت فيها إلى بغداد، وقد لاحظت ذلك منذ وصولي إلى المطار، حيث نقلونا عن طريق البر، وفي طريق يلقبه العراقيون والأمريكيون معا بـraquo;طريق الموتlaquo;، الذي لاحظنا خلاله العشرات من السيارات الأمريكية المحترقة على جانبي الطريق، خلال تلك الرحلة سألت الضابط المسؤول عن أمن المحامين وكان يجلس معي في نفس السيارة عن أسباب تغيير الإجراءات الأمنية، فرد علي بالقول أن الأمر يتعلق بأسباب لوجيستية، فعلقت على ذلك بالقول raquo;لكنها إجراءات غير آمنة؟laquo; فرد علي بالقول raquo;إننا معكم لا تخشوا شيئاlaquo;، فأجبته raquo;لكن ما الذي يدعونا إلى الإطمئنان إليكم أنتم كذلك، فمن الممكن أن نستهدف سواء عبركم أو عبر فصيل متعاون معكم مثل raquo;منظمة بدرlaquo; أو raquo;البشمركةlaquo; ما جعله يرد قائلا سندرس طلباتكم ونحاول ترتيب الأمور كما في السابق.
في طريق العودة لاحظنا أنه في تراخ أمني مقصود، فبدل أي يأتي بنا الأمريكيون إلى المطار، ويدخلونا إلى الغرفة الخاصة بنا كما كان يجري، ويلازموننا إلى حين الصعود إلى الطائرة، تركونا على الباب الخارجي للمطار، وقد وقفنا في الصف مع جمهور الناس، وقبل الدخول إلى المبنى، وقد انتظرنا أزيد من نصف ساعة وكانت حقول القصب قريبة منا يمكن معها أن يتسلل أي إنسان منها ليصطاد أي واحد من فريق الدفاع وبسهولة بالسلاح العادي المجرد.

وعندما تجاوزنا هذا الوضع ودخلنا إلى داخل المطار، قلت لزملائي فلنقف وظهورنا إلى الحائط لنراقب حركة الموجودين حرصا على أنفسنا، لأنني أخشى من عمليات تصفية جسدية بعد أن تركتنا القوات الأمريكية بهذه السهولة نواجه مصيرنا، وبالرغم من صعودنا الطائرة وتجاوزنا لهذا الخطر، ظل شعور قوي يلازمني بأن الأمريكان يمهدون من أجل أن يغتالنا أحد، خاصة وأنه في البداية قبل بدا الجلسات حذرني الأمريكيون من مغادرة مقر إقامتنا لوجود بعض العناصر العراقية داخل المنطقة الخضراء، فكيف يتركوننا لحالنا بالمطار.

فيما يخص المحكمة، نحن نرى القاضي لوحده على المنصة، وعلى يمينه الادعاء العام ممثلا في شخصين أحدهما جعفر الموسوي، وعلى شماله فريق الدفاع، وفي وسط القاعة المتهمون من أعضاء القيادة السابقة، ووراءهم خلف الزجاجة الخلفية بعض الحضور من ذوي الجنسيات الغربية. من فضلك صفي لنا باقي جوانب القاعة التي لا نراها خلال بث الجلسات؟
- قاعة المحاكمة هي قاعة كبيرة جدا، خلافا لما يظهر على الشاشة. يجلس على المنصة الرئيسية القاضي وأربعة من المستشارين، ونحن كفريق دفاع في حدود 14 محاميا نجلس في المكان الذي ترونه على الشاشة، في مقابلنا بالضبط يجلس فريق الادعاء العام ومحامي الادعاء الشخصي، الذين ترونه من خلف الزجاج هم صحفيون، وبعض مما ينتمي إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية.
لكن فوق المدعي العام، هناك شرفة وصفتها في مؤتمر صحفي أجريته في بيروت واجهتها (زجاج - مرايا) عاكسة لا تظهر ما وراءها، وقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن هذه الشرفة أنها مخصصة لغرض ما لأنها لا تنسجم مع تصميم المبنى وهندسته، خاصة عندما أخبرني الرئيس صدام حسين بأن هذا المبنى هو الذي أنشأه ، فأدركت بأن إقامة مثل هذه الشرفة ليس بالأمر البريء أو الصدفة، خاصة وأنه بين الفينة والأخرى كان بعض الأشخاص يأتون من الخارج محملين بتعليمات للقاضي مرسلة من شخص موجود ويتابع كل ما يجري في القاعة. وقد تأكدت أن خلف تلك المرايا يجلس فريق من رجال القانون الأمريكيين، بالإضافة إلى رجال قانون من جنسيات أخرى بينهم يهود متعاقدون مع السفارة الأمريكية حيث يقبضون رواتبهم من السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زادة، بالرغم من شكي في الموضوع إلا أني لم أثره حتى أتأكد بشكل تام، لكن حسم الأمر لدي بعد أن أخرجني القاضي رئيس الجلسة من القاعة، حيث جاء أحد رجال القانون الأمريكان وهو مفرغ للتعامل معنا بشكل مستعجل وبادرني بالسؤال ما الذي جرى؟ فثرت في وجهه، وقلت له : raquo;ألم تر ما جرى، ألم تكن تجلس في هذه الغرفة الزجاجية فوق المحكمة وترى كل شيءraquo;؟، فرد علي بالقول: raquo;بلى كنت أجلس هناكlaquo;، فقلت: raquo;إذن رأيت كل ذلك، فلماذا تسألني؟laquo;، طبعا أنا لم أكن أعلم أنه يجلس هناك، لكني استدرجته ووقع في الفخ الذي نصبته له، خاصة وأنه تبين لي لاحقا أنه جاء لمتابعة المحاكمة كبديل لزميل له لم يحضر، وقد حسب أنني أعلم بقصة الشرفة الزجاجية من قبل.

خلال شهر يوليو القادم سيقدم الدفاع إفادته، ما هي أهم المضامين التي ستركزون عليها؟ وهل ستحضرين الجلسة؟
- هناك قرار صدر بمنعي من دخول مقر المحكمة بالكامل، وبالطبع فهذا القرار جائر، فليس من حق رؤوف رشيد الذي هو رئيس غرفة في المحكمة ليس من حقه أن يتخذ قراراً بمنعي من الدخول إلى كامل المقر، ومع ذلك وجد هذا القرار الذي أبلغني به الجانب الأمريكي، وألزمني به الأمريكيون كذلك، طريقه إلى التنفيذ، وهو انتقاص من حق الدفاع، وانتقاص من حقوق المتهمين بأن يختاروا هم محاميهم الذين يرغبون في الترافع عنهم، وهو إجراء غير قانوني، وسيكون سبباً للطعن في الحكم الذي سيصدر أيا كانت طبيعته.
بالرغم من ذلك، وأملا في أن يتراجع القاضي والفريق الأمريكي عن هذا القرار والسماح لي بالعودة، أنا أحضر نفسي للترافع، وفي حال عدم السماح لي، سأطلب من محطة تلفزيون raquo;الجزيرةlaquo; أن تسمح لي بالترافع من خلالها، وقد تقول لي بأن هذا الأمر غير قانوني، لكني سأرد عليك بالقول، أن الرئيس صدام حسين وخلال اجتماعي معه قال لي raquo;أنا لا يهمني حكم هذه المحكمة، أنا يهمني حكم الشعب العراقي والرأي العام، وبالتالي فإن ترافعت من خلال وسيلة إعلامية، فسيسمع هذا كل الرأي العام العراقي والعربي والدولي وسيصدر حكمه بالنتيجة لذلك. ودعني أخبرك بحقيقة مرة، أن مرافعاتنا لن تقدم أو تأخر من قرار رئيس المحكمة، وبرأيي الحكم جاهز.
وفيما يخص حضورنا الجلسة المقبلة، سنأخذ قرارا في الأمر بعد مقتل زميلنا خميس العبيدي بالذهاب من عدمه، وأنا من أصحاب الرأي الأخير بعدم حضور الجلسة، فطالما هيئة المحكمة وفريقها القانوني الأمريكي يمنعوننا من تأمين دفاعنا بالطرق اللازمة، وطالما هم يفرضون إرادتهم علينا ويضعون الشروط للمرافعات، ويحددون الوقت للترافع وزمنه، بالرغم من أن حق الدفاع مقدس وأن الكلمة الأخيرة دائما هي للمتهم، وأن المتهم من حقه أن يترافع وأن ولو استمر دفاعه عن نفسه ساعات أو حتى أيام، لكنهم يقومون بتحديد الوقت وتقليصه بشتى الطرق. وفي رأيي أنهم إذا لم يتجاوبوا معنا لإعطائنا الفرصة كاملة للدفاع وأن ندافع بكل السبل القانونية التي نرى نحن أنها مناسبة فليس من الضروري الذهاب إلى المحكمة للمشاركة في هذه التمثيلية، وليصدروا الحكم الذي يريدونه بدون حضور محامين، وفي المحصلة فإن هذا الحكم لن يكون قانونيا.

من خلال كلامك، يتبين أن حكم الإعدام جاهز بحق صدام حسين، على ماذا تستندين في ذلك؟
- أنا أستند في ذلك بناء على أن الأمريكيين يستعملون هذه المحكمة لأغراض سياسية، هذا أولا. حيث أن هناك مؤشرات على تطورات سياسية معينة توحي بأنهم يتجهون إلى هذا الأمر، هناك أيضا التعقيدات والعقبات التي وضعت أمام المحامين من أجل الحيلولة دون تنفيذهم لمهامهم بطريقة قانونية من قبيل اعتقال شهود الدفاع، وفرضوا عليهم التوقيع على اعترافات تناقض إفادتهم الأولى أمام المحكمة، وتعرضوا أثناء انتزاع هذه الإفادات إلى التعذيب والتهديد بالقتل. وبالتالي لو كانت هذه المحكمة تريد محاكمة عادلة وحكما عادلا، لما لجأوا لمثل هذا الأسلوب. بالإضافة إلى ذلك فإخراجي من المحكمة بعد أن تناولت raquo;أهلية المحكمة ووضعيتهاlaquo; عبر عدة نقط قانونية بالغة الأهمية، وبدل النظر إلى هذه النقط التي أثرتها، استاءوا مني لرغبتهم في عدم أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي.
وعند مفاوضتهم لي للعودة إلى قاعة المحكمة اشترط الأمريكيون علي عدم التحدث عن دستورية المحكمة، وعن الحصانة الدستورية للرئيس صدام، وبعدم إقامة مقارنة بين ما حدث في الدجيل أيام الحكم الوطني، وما حدث في الفلوجة في عهد الاحتلال الأمريكي، لكني رفضت بدعوى أن ذلك ضروري ويجب الاستناد إليه في مرافعاتنا لضمانة براءة موكيلنا. ومنذ ذلك التاريخ أدركت أن الأمريكيين لا يريدون حكم عادلا ولا محاكمة طبيعية، وأشعر بأنهم أقاموا كل هذه التمثيلية من أجل أن يعدم الرئيس صدام حسين ورفاقه بذريعة أنه حكم صادر عن محكمة عراقية، والواقع أنها أمريكية إذ ما استثنيا القاضي والمدعي العام وزميله الذين أنيطت بهم مهام الظهور على شاشة التلفزيون ليبدو الأمر أنه محكمة عراقية.

في حالة صدور الحكم بالإعدام، في توقعك هل سينفذ بشكل مباشرة، أم أن لا بد من انتظار الاستئناف وفتح باقي الملفات من قبيل ما يسمى بجرائم الأنفال ضد أكراد العراق، وحرب الكويت، والحرب العراقية الإيرانية.. وما إلى ذلك من ملفات، خاصة وأن قانون برايمر يجيز تنفيذ الحكم دون انتظار ما ستعرفه باقي الملفات؟
- كل شيء مع الأمريكيين جائز، وكل ما يقدمون عليه مبني على الترتيبات السياسية المختلفة سواء في العراق أو في كامل المنطقة، ولكن هناك محكمة تمييز يمكن أن يطعن أمامها، الإعدام في حد ذاته لا يشكل سببا للطعن في هذه المحكمة، وهذه مفارقة قانونية غير مسبوقة في أي محكمة في العالم، لأن كل قوانين الدنيا تضع إجراءات معينة خرقها يكون سببا للطعن ومنها الحكم بالإعدام الذي هو في حد ذاته سبب رئيسي للطعن إلا أمام هذه المحكمة، حيث لا يشكل سببا للطعن. والحمد لله أصبح لدينا بالإضافة إلى ذلك أكثر من سبب للطعن، منها أن قانون هذه المحكمة ينص على أنه يمكن الطعن في الحكم إذا تعرض محامو الدفاع للطرد وهو ما حصل لي، كما أن المحكمة تجري في ظل وجود عسكري أمريكي داخل قاعة المحكمة.

هل سبق لك أن التقيت بالرئيس العراقي صدام حسين يعني خارج قاعة المحاكمة؟

- لقد التقيت به مرتين، المرة الأولى في 11/3/2006 وهي المرة الأولى التي أشهده فيها بشكل مباشر، والمرة الثانية في 3/4/،2006 في أول مرة التقيت فيه برفقة زملائي المحامين الستة، وفي المرة الثانية كنا خمسة محامين واستمر اللقاء لمدة خمس ساعات.

هل وجدته متابعا لما يجري من حوله خلف أسوار المعتقل؟
- هو يعرف ما يجري من خلالنا، لأنه مغيب كليا عن الإعلام، وخلال زيارتي له وضعته في صورة ما يجري سواء بالعراق أو العالم، وفي آخر مرة أخبرته عن تطورات الوضع ما بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي، وبتبادل السفارات بين طرابلس وواشنطن، والوضع الأمني داخل العراق، وقد كان سعيدا بهذه المعلومات، واستطاع أن يكون تصورا معينا خاصة فيما يتعلق بالموضوع الأمريكي الإيراني، لأنه استطاع بذلك تصور عمق المأزق الأمريكي في العراق.

كيف كان رد صدام حسين في المحكمة عندما أشهرت صور المعتقلين العراقيين في معتقل أبو غريب؟
- في ذلك اليوم، فوجئت برد الرئيس صدام حسين، حيث حملت تلك الصورة التي وضع فيها عراقيون على شكل هرم بشري وهم عراة عندما وجهت سؤال للادعاء العام ورئيس المحكمة إن كانت النيابة العامة ضد الذين ارتكبوا هذه الجريمة بحق الشعب العراقي، وأدرت الصورة في اتجاه الرئيس صدام حسين، قائلة باللهجة اللبنانية raquo;شفت شو صار بشعبك في غيبتك.. شفت شو عملوا بالعراقيين بغيابكlaquo;. لم أتمّ كلامي صدمني وجه الرئيس صدام حسين، وتعابير وجهه كانت صارخة، ولاحظت عينيه كما لو طارتا من محجريهما، وعيناه لاحقتا الصورة حتى عندما أدرتها بعد أن لاحظت التألم الذي بدا على وجهه كما لو أنه غير مصدق لما يراه.

أنباء تحدثت غير مؤكدة بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش التقى الرئيس صدام حسين خلال زيارته المفاجئة للعراق، وهو ما يفسر رفع القاضي للجلسة بعد أن أمر بأن تكون جلسة مغلقة، ما صحة هذا؟
- ليست لدي أية معلومات حول هذا الموضوع، لكني لا أستبعد ذلك، لأنه لدي يقين بأنهم يفاوضون الرئيس صدام حسين، من يقوم بهذه المفاوضات ليس مهما، لكن هناك جانب أمريكي في موقع مهم يفاوض الرئيس صدام، وقد تبين لي ذلك خلال لقاء جمعني به مع المحامي raquo;رامزي كلاركlaquo; وزير العدل الأمريكي السابق.
رامزي كلارك كان يحدثه في موضوع مختلف عن تحركاته لنقل المحاكمة إلى خارج العراق، فرد عليه صدام حسين بالقول، raquo;دع عنك هذا وأخبر الأمريكيين أنه بوجود صدام أو عدمه الأمريكيون لن يحصلوا على قواعد عسكرية لهم في العراق حتى في الحلم، لقد جرب الإنجليز ذلك في الخمسينيات هذا الأمر وفشلوا فشلا ذريعا، وهم سيفشلون في ذلك أيضا، والشعب العراقي سيرفض ذلك سواء كان صدام حسين في الحكم أو غيرهlaquo;، من مضمون هذه الرسالة ومن مفرداته وكلنا نعلن أن صدام حسين ينتقي مفرداته انتقاء ويحرص على كل كلمة يقولها فهمت أن الأمريكيين يفاوضونه على موضوع القواعد العسكرية وهو رافض وبأن الشعب كذلك رافض لهذا الأمر.هناك موضوع آخر يتعلق بالمقاومة، ذكر صدام حسين خلال هذا اللقاء raquo;قلت لهم أن المقاومة هي حق مشروع ، كل شعوب الأرض التي تحتل أراضيها تنبثق عنها مقاومة لهذا الاحتلال، وشعبي على غرار كل شعوب الدنيا يقاوم وسيقاوم المحتل سواء كان صدام موجودا أو غير موجودlaquo;، عندما قال صدام حسين هذا الكلام، شعرت وكأن الأمريكيين يساومونه في موضوع المقاومة، وبالرغم من أنه لم يخبرنا بأن هناك مفاوضات جارية، لكن من طبيعة كلامه شعرت أن هذا الموضوع كان موضوع نقاش بينه وبين الأمريكيين.