كارلوس مونسيفليس ـlaquo;ال باييسraquo; الاسبانية

قد لا يلاحظ المراقب الأجنبي الأمر، إلا ان المكسيكيين يعرفون أن بلدهم متأمرك على نحو عميق. وتجنب الإقرار بأمركة المكسيك ناجم، على الأغلب، من الرغبة في إضفاء مسلّمة من الغرابة أو الفرادة عليه. ويضطلع العمل، والبطالة تالياً، بدور راجح في بناء شخصية المكسيكيين الاجتماعية. فهم يحوطون عملهم بعناية، ويرعونه، ويحدبون عليه. والى هذا، فالمكسيك بلد يملك ثقافة استثنائية، غنى وتنوعاً، ولكنه يسعى سعياً حثيثاً في استئصال صور التعبير الثقافية. والمجتمع المكسيكي علماني على رغم رغبة اليمين في رده الى تلقينه تعليماً دينياً ابتدائياً. وقبل ستة اعوام، أفلح الناخبون المكسيكيون في طي سيطرة الحزب الثوري المؤسسي المديدة، في أعقاب 70 عاماً. وعلى خلاف قول من أملوا في أن يكون انتخاب المحافظ فانثينته فوكس، في عام 2000، الى الرئاسة، فاتحة عهد الديموقراطية، أظن أن فوز فوكس يقلل حقيقة القول هذا ويقيدها. فالرجل أحبط الحماسة التي صحبت طي الصفحة المديدة السابقة، وكذّب ظن من حسبوا أن المرحلة الانتقالية واقعة حقيقية ومضمونة النتائج. ففوز فوكس نصّب أقل الحكام كفاءة، وحاطه بشلة يتنازعها الفساد والمحافظة والغباء.

وعليه، فانتخابات بعد غد (في 2 تموز/ يوليو) على جانب من الخطورة، فهي صورة عن طريقتين في محاذاة الهاوية، اذا شئنا قول الامور على نحو انفعالي ومسرحي. فمرشح اليسار اندريس مانويل لوبيز أوبرادور، والأرجح أن اقترع له، ممتاز. ولكن حزبه الذي يسانده (حزب الثورة الديموقراطية) غير مقنع. والحق أن الحزبين يستويان في خلو الوفاض من برنامج يعالج المسائل الكبيرة مثل سياسة الولايات المتحدة العنصرية، والهجرة، والبطالة، وعنف المدن، والآفة المدمرة والفظيعة التي تسمى بتجارة المخدرات وتهريبها.

واليسار الذي يزمع الاقتراع لمرشحه، أوبرادور، لا يتناول ظاهرة الهجرة على نحو ينبئ منذ اليوم بسياسة ونهج مفهومين. ولما كان عائد الهجرة من المكسيك الى الولايات المتحدة يبلغ 20 بليون دولار في السنة، أغفلنا دراسة الظاهرة، وعمدنا الى تصنيمها وتعظيمها، فلم نسأل عن العلة في سفر العدد الكبير من المكسيكيين الى الولايات المتحدة، ولا عن السبب في غلبة الحصة النسائية على الهجرة. وأغفلنا هرب اصحاب المهن الحرة وأهل الخبرة والادارة. وظاهرة الهجرة على هذا النحو، وهذا المقدار، تحملنا على التفكير في المكسيك، ما عساه يكون.

وأزعم أن سياسة مكسيكية قوية، قد تجر السياسة الأميركية الى اجراءات تراعي مصالحنا. وهذا، أي الثبات، ما لا يصح أن يوصف موقف فوكس بإزاء الكونغرس الأميركي وأكاذيب جورج بوش به. ولكنني في الوقت نفسه لا أحسب أن بيد الحكومة المكسيكية حل المسألة. والحل ليس مصدره السلطة التشريعية وحدها، بل تعبئة اللاتينيين وحماستهم، على نحو ما تجلتا في يوم اضرابهم الوطني بالولايات المتحدة، ودخولهم المفاجئ التاريخ الأميركي. فهم لا يهاجرون الى الولايات المتحدة رغبة في محاربة الأميركيين، بل لأن سوق العمل في حاجة اليهم. والرد عليهم بالجدار على الحدود المكسيكية ndash; الاميركية، مهين. فهو يعلن على الملأ رأي الولايات المتحدة في لفظ المهاجرين وصدهم.

ونظير الأمر، تبدو أميركا اللاتينية في صورة الثائرة على الولايات المتحدة وما تمثله. واليسار ليس واحداً في بلدان أميركا الجنوبية. ولكل بلد يساره، ولكل يسار تاريخه. والحق أن فوز ايفو موراليس في بوليفيا سرني. ولكنني لا أعرف من بوليفيا ما يخولني الادلاء برأي في احتمالات حكمه ومقدراته. وعلى خلاف موراليس، يبدو لي تعمد هوغو تشافيز التحدي غير مستساغ. ولا يسعني، على الضد من شطر من اليسار المكسيكي، البرهان الموفق والدامغ على أن نظام فيديل كاسترو هو أكثر انظمة العالم ديموقراطية. وليس ثمة ما ينسب رجلاً مثل أولانتا هومالا (المنافس الخاسر على الرئاسة في البيرو، ودعا تشافيز الى انتخابه) الى اليسار. وهذا شأن الرئيس الفائز ألان غارسيا، على رغم زعمه الانتساب الى الاشتراكية الديموقراطية، ولا أرى مناصاً من انتخاب أميركا اللاتينية حكومات تتصدى الى مشكلتها الأولى: التفاوت الاجتماعي الكبير.

كاتب سياسي مكسيكي.