الإثنين: 2006.07.010



راغدة بهنام - البلد

هل فكرت يوما بشراء quot;جينزquot; اسود في فصل الصيف؟ اذا كنت سهام عسيلي عليك ان تفعلي ذلك. فالارملة التي اغتيل زوجها منذ سبعة أشهر لا يجوز ان ترتدي quot;جينزquot; حتى ولو عليها ان تركض وراء اطفالها وتلاعبهم. النظرات اللاذعة والانتقادات التي تتعرض لها سهام ارملة جبران تويني لا تستطيع الهروب منها او التغاضي عنها في مجتمع شرقي لا تهمه الا المظاهر. حضورها زفاف ابن الوزير السابق جان عبيد ومرافقتها لطفلتيها غابرييلا وناديا الى المسبح ... يحيطان سهام بهالة واسعة من الانتقادات. quot;لا يهمّ ماذا افعل. فالنظرات الناقدة دائما موجودة ومهما فعلت سأتعرض للانتقاد. سألبس الاسود على مدى عام رغم قناعتي بأن الحزن والحداد ليسا في الثيابquot;. لعلّ هذه الهالة المحيطة بها، هي ما تجعلها تحرص على انتقاء صورها قبل نشرها. فهي تقول : quot;اذا رأوا صورة لي وانا ابتسم سيقولون quot;نسيت زوجها!quot;. سهام عسيلي تحدثت عن التغييرات في حياتها بعد غياب زوجها وشكت quot;التقصير والسكوت عنه في قضية اغتيال جبرانquot;. من مكاتب مجلة quot;نونquot; التي تديرها في الاشرفية، كان معها هذه الحديث.

صور جبران تملأ المكان. خلف مكتبها لوحتان كبيرتان للصورة نفسها بألوان مختلفة. صورتهما سويا. وكيفما تلفتت تجد صورا لهما وللطفلتين غابرييلا وناديا اللتين لا تفارقانها ابدا، حتى الى عملها. يدخلن المكتب سويا. مربيتان تحملان الطفلتين وسهام تحمل لوازمهما. الكل يهب للاستقبال ولمداعبة غابرييلا وناديا. تضحكان وتتجولان بين المكاتب في quot;اليوبالاquot; وتلعبان في غرفة خاصة افردت لهما. تركض غابرييلا باكية نحو امها التي وقفت الى جانب جبران، المحبوس في لوحة عملاقة علقت في المدخل. تتوسل اليها كي تحملها لتلقي التحية على والدها. تستجيب سهام فتهدأ الطفلة بعد قبلة طبعتها على خد والدها. والدها الذي غاب عن يوم عمادتها واختها. هذا اليوم الذي طغى عليه الاسود عوضا عن الابيض، quot;كان يوما حزيناquot; كما تقول والدتهما.

تعود سهام الى مكتبها وتشعل سيجارة بعد سبع سنوات من الانقطاع. تبدأ الحديث وفي صوتها نبرة حزن وثورة. ولكنها حين تذكر زوجها تبدو هادئة. quot;ما زلت اعتبره الى جانبي يراقبني ويعرف ماذا افعلquot;. لعلها تستجيب لنصيحة القديس اوغوستين: quot;... تحدثوا عني وكأنني ما زلت موجودا بينكم. لا تبكوا فأنا في الجهة الاخرى من الطريق ...quot;، الرسالة التي وضعتها في اطار الى جانب صورة جبران على مكتبها.

رسالة القديس والمسبحة التي علقتها سهام حول عنقها، لا تدلان بالضرورة على ايمانها العميق، كما تقول. quot;انا لست مؤمنة لهذه الدرجة، ولكن اعرف كم كانت تعني هذه الامور لجبران. المسبحة اضعها لانها تذكرني بهquot;.




الخوف الدائم

تتذكر الفترة الاخيرة العصيبة التي قضياها سويا، والخوف الذي كان رفيقها الدائم. الخوف من ان تصعد معه في سيارة واحدة ممكن ان تنفجر بهما في أي لحظة. الخوف من ان تبقى طفلتاهما وحيدتين. وتقول ان الخوف بات لا يفارقها بعد محاولة اغتيال مي شدياق: quot;عندما رأيت انهم اذوا امرأة بهذه الطريقة، اصبحت اخاف على نفسي وعلى عائلتي واولادي لان هكذا مجرم لا يردعه أي شيء. ورحت اتذكر ما حصل لداني شمعون وعائلتهquot;. وتتذكر الليلة الاخيرة حين وصل من المطار :quot;ركبنا السيارة نفسها ورحت اقول له اننا لم نكتب وصية للاولاد، ماذا يحصل اذا قتلونا سويا؟ كان يسكتني ويقول يكفي لن يحدث شيء. في الفترة الاخيرة كنت قد عرفت ان حياتنا تغيرت واننا لن نستطيع ابدا ان نتمشى سويا في وسط المدينة. وعرفت اننا اذا اردنا ان نستعيد حياتنا الطبيعية علينا ان نسافر، وهذا امر لم يكن يقبل به جبران ابدا. كان يقول انا لا اترك لبنان ابدا. كان باستطاعتنا الذهاب الى فرنسا لبضعة اشهر او سنة لكنه رفض وراح يخترع حججا كي يمنعني من اخذ الاولاد الى فرنسا. فكان يرسل بطلبي اسبوعا ثم اعود الى بيروت لاطمئن الى اولادي قبل ان اعود اسبوعا آخر الى باريسquot;.

تتذكره يقول لها لن يعيش كثيرا. quot;كان يقول لي انت قوية تستطيعين ان تكملي من دوني. وكان يقول اننا بعد ان ننجب اطفالا سأموت، ولكنني سأبقى معك. وكان يقول اشعر انني اعيش في الوقت الاضافيquot;.


طفلتاي قوتي

الدمعة المحبوسة في عينيها خلال حديثها عن زوجها، نادرا ما تغلبها. تخبرنا كيف تقضي يومها بعد غيابه، بين إرغام نفسها على النهوض من السرير ومرافقة غابرييلا وناديا الى المسبح، والتفتيش اليومي عن خبر لا تجده. quot;لن اقبل ان اكون ضعيفة لانني لا اريد ان يشعر المجرمون باننا انكسرنا. سيأتي اليوم الذي يدفعون فيه الثمن. طفلتاي تساعدانني كثيرا وتمدانني بالقوة. فهما لا تتركان لي الكثير من الوقت. تحبان ان تسبحا لذلك نذهب يوميا للسباحة. هم جبران كان ارضائي وكان يفعل المستحيل ليسعدني. انا اعرف انه لا يريد ان يراني اليوم حزينة منزوية في المنزلquot;.

صوره التي تحيط نفسها بها في المكتب، واغراضه الخاصة التي لا تزال تحتفظ بها في منزلهما، تشعرها بالحزن وتجعلها تتذكر خسارتها دائما ولكنها تقول : quot;لست مستعدة بعد للتخلي عن الماضي. سأصل الى مرحلة اكون قد تقبلت فيها كل شيء. لا ادري متى يحين الوقت، ممكن بعد ان يعاقب المجرمونquot;.


التقصير في التحقيق

لا تملّ من الحديث عن جبران ولكن فكرة واحدة كانت دائما تقاطعها كلما شذت عنها : quot;التقصير الحاصل في قضية اغتيال جبران تويني والسكوت عنهquot;. تتحدث وابتسامة حزينة تعلو ثغرها وعيناها تتلألآن بالدموع. وفي صوتها نبرة ألم وعتب على quot;حلفاء جبران الذين نسوا أمرهquot;. وتقول : quot;لا ارى استمرارية في قضية جبران وكأن قضايا اخرى حلت مكانها وتلهى الجميع بها فنسوا امره. لم اعد اتكل على ما يحدث في لبنان، وحق جبران لن يعود الا عبر التحقيق الدوليquot;. التشاؤم الذي يرافقها تقول ان سببه quot;عدم الحفاظ على الادلة التي كان من الممكن الحفاظ عليها. هذه ليست اول عملية من هذا النوع في لبنان لنقول انهم صدموا ولم يعرفوا كيف عليهم ان يتصرفواquot;.

الغضب الذي يرافقها بعد اكتشاف اشلاء زوجها وبعد دفنه للمرة الثانية قبل نحو اسبوعين، ليس فقط بسبب quot;التقصير في الحفاظ على موقع الجريمةquot;، بل بسبب quot;سكوت حلفاء جبران عن التقصيرquot;. البريق في عينيها تحوّل دموعا كادت ان تغلبها وهي تقول لزوجها: quot;ان شاء الله ما تشوف شو عم بصير. شيء لا يٌصدّقquot;. وتضيف بغضب :quot;جبران حمل قضيتهم هل هكذا يردون جميله؟ اين هم حلفاؤه زملاؤه نواب بيروت الذين لم ينزعج احد منهم او يقول ان هذا التقصير لا يجوز؟ لم يتصل أحد منهم بي الا صولانج (الجميل) لتقول انها لا تصدق ما تسمع.

لم يستنكر احد الامر. ربما يتلهون بقضايا اخرى، او لا يناسبهم ان يتحدثوا في الموضوع. لا ادري كيف ينكر وزير الداخلية معرفته باكتشاف اشلاء في مكان الحادث. كيف لا يعرف شيئا؟ هل هكذا يكافئون جبران؟ لم يقبل ان يسافر ويترك لبنان لقناعته بان كل البلدان التي اخذت استقلالها ضحت وخسرت شهداء. فأقل ما يمكن ان تردوه اليه هو ان تعطوه حقهquot;.

اما الاقوال عن ان شخصا آخر كان يقود سيارة جبران خلال وجوده في باريس قبل عودته، وان المتفجرة وضعت في سيارته وليس في سيارة أخرى، تقول سهام :quot;سائقه الذي مات معه هو من كان يقود السيارة في غيابه. لو لم يمت معه لربما كانت لدينا بعض الشكوك. ولكن خبراء اكدوا ان المتفجرة لم تكن في سيارته. فقد كشف خبراء من شركة الرانج روفر على السيارة ودققوا فيها من دون ان يجدوا شيئاquot;.

سرية التحقيق؟

وتعود للتحدث عن quot;السكوت عن التقصيرquot; وتصرّ على ان الاسباب التي اعطيت لم تقنعها : quot;يقولون ان الحديث عن الموضوع يؤثر على سرية التحقيق. ولكن ما دخل سرية التحقيق بالتقصير الحاصل؟ ... لو كان جبران موجودا وحصل هذا الامر بأحد آخر، ما كان ليسمح ابدا بالسكوتquot;.

تشعل سيجارة اخرى وتأخذ نفسا عميقا، وتتابع: quot;حصل تقصير آخر عندما تأخروا سبعة اشهر لتعيين محقق عدلي في القضية. ادخلونا في الخلافات الطائفية السياسية الصغيرة ولم نفهم شيئا. يتحاورون بسلاح حزب الله الذي لا اعرف ان كانوا سيجدون له حلا ابدا، وهم لم يستطيعوا الاتفاق على تعيين محققquot;.

تفكر طويلا حين اسألها عن ثقتها بالقضاء اللبناني وان كان برأيها سيتوصل الى نتيجة في الجريمة، وتقول : quot;ان كنا سنتوصل الى مكان ما فسيكون عبر تحقيق دولي، فالامر معقد واكبر منّاquot;.