سعد محيو

فيما كل أنظار العالم منصّبة على حرب الدمار الشامل ldquo;الإسرائيليةrdquo; في لبنان، كانت أمريكا وبريطانيا تشيحان ببصرهما عن هذه الحرب وتحدقان، بدلاً من ذلك، في العراق.

وهكذا، برز رئيس الورزاء البريطاني بلير فجأة على الساح ليحذر من خطر ldquo;قوس التطرفrdquo; المنطلق من العراق. ثم لحق به بعد أيام قليلة الجنرال جون أبو زيد قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط والجنرال بيتر بايس رئيس هيئة الأركان المشتركة اللذان طلبا من الكونجرس التركيز على العراق وإبقاء القوات الأمريكية فيه ldquo;لمنع انزلاقه إلى الحرب الأهليةrdquo;.

بيد أن التطور الأهم والأوضح جاء على لسان الدبلوماسي البريطاني وليام باتي الذي جال الأسبوع الماضي في بلاد الرافدين ثم خرج بتقرير مثير جاء في بعضه: ldquo;إذا ما أردنا منع انزلاق العراق إلى الفوضى والحرب الأهلية، فيجب منع ldquo;جيش المهديrdquo; التابع لمقتدى الصدر من التحوّل إلى دولة داخل دولة، كما حزب الله في لبنان. هذه يجب أن تكون الأولوية القصوى الآنrdquo;.

ما هذا الذي يحدث؟ وكيف يمكن لواشنطن ولندن الغارقتين حتى أذنيهما في أزمة لبنان الدولية والإقليمية الجديدة والطاحنة، أن تجدا الوقت للتفكير، مجرد التفكير، بأزمة العراق القديمة؟ ثم: ما الجديد في أحاديث الحرب الأهلية والتقسيم الفعلي للعراق؟ ألم تكن هذه هي الخبز اليومي لهذا البلد التعس منذ صيف 2003 وحتى صيف 2006؟

وراء الأكمة حتماً ما وراءها. وهذا الذي وراءها قد لا يقل عن كونه تمديداً لحرب ldquo;قوس التطرفrdquo; ضد حزب الله في لبنان إلى العراق ضد ldquo;جيش المهديrdquo;. والهدف بالطبع تقليم أظفار إيران وامتداداتها في الشرق العربي عبر ضرب حليفيها الرئيسيين في لبنان والعراق، ومن ثم استكمال الهجوم الاستراتيجي العام الذي يشنه المحور الأمريكي - ldquo;الإسرائيليrdquo; منذ 12 تموز/يوليو الماضي ضد المحور السوري- الامريكي.

الضرب العنيف يتركز الآن على حزب الله، درة تاج السياسة الخارجية للثورة الإسلامية الإيرانية ومصدر الكثير من نجاحاتها، منذ خطف الرهائن الأمريكية والغربية في السبعينات إلى النصر على ldquo;إسرائيلrdquo; في 2000. وفي حال نجحت الجهود العسكرية والدبلوماسية الحالية في زعزعة ldquo;الدولة داخل الدولةrdquo; التي يقيمها الحزب في لبنان، ستفقد إيران أهم رصيد استراتيجي لها في الشرق الأوسط.

بيد أن إحتمال ضرب ldquo;جيش المهديrdquo; لن يقل خطورة بالنسبة لإيران عن ضرب ldquo;حزب اللهrdquo;. إذ إن ذلك سيسفر عن تقوية الأجنحة الشيعية العراقية الأكثر ldquo;اعتدالاًrdquo; والأقل اعتماداً على طهران في التسليح والتمويل أو في التوجيه الإيديولوجي والسياسي، إضافة إلى أنه سيضاعف الخسائر الإيرانية الصافية وسيجعل سوريا، آخر حليف لطهران في المنطقة، أشبه بقلعة مخلّعة الأبواب.

إنها الحرب الإيرانية- الأمريكية التي تشن الآن بالواسطة وقد دخلت طوراً جديداً. وأحاديث بلير والجنرالان الامريكيان والدبلوماسي البريطاني عن مسؤولية ldquo;جيش المهديrdquo; في التسبب بحرب أهلية مذهبية، ثم قيام واشنطن بتعزيز قواتها في بغداد بدل تقليصها، مؤشر على أن هذا الطور الجديد قد يكون أكثر شمولية، وربما عنفاً أيضاً.