مجدي سمعان

بات واضحا أن الموقف من الحرب الأمريكية في العراق سيكون عاملا حاسما في انتخابات الكونغرس المقبلة، والتي ستجري في شهر نوفمبر المقبل، حيث عكست الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية كونيتكت نمو التيار الرافض لبقاء الأوضاع على ما هي عليه في العراق نظرا لارتفاع تكلفة الحرب ماديا وبشريا وعدم اقتناع المواطن الأمريكي بالجدوى من ورائها بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات منذ شنها.
استفتاء مبكر بين الديمقراطيين
وقد دفع السيناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان احد أقطاب الحزب الديمقراطى ثمن تأييده للحرب على العراق غاليا، بخسارته الثلاثاء الماضي انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية لانتخابات مجلس الشيوخ أمام تيد لامونت أحد معارضي الحرب في العراق. ولم يستطيع ليبرمان تدارك الصورة السلبية التي انطبعت عنه لدي الناخب في ولاية كونتيكت بأنه قريب الصلة من الرئيس بوش وسياسته الخارجية.
المنافسة بين ليبرمان ولامونت كانت من ناحية الخبرة السياسية في صالح ليبرمان الذي يعد أحد أقطاب الحزب الديمقراطي، حيث دخل الكونغرس أول مرة عام 1971 و كان عمره آنذاك 29 عاما، و بقى 10 سنوات، وعاد في عام 1988 إلى مجلس الشيوخ مرة أخرى و منذ ذلك التاريخ قضى ثلاث دورات متتالية. رشحه الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية عام 2000 كنائب للمرشح للرئاسة آل جور، وفي عام 2004 رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكان أحد ثلاثة ديمقراطيين مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2008.
أما لامونت حديث العهد بالحقل السياسي فهو رجل أعمال يملك محطة تلفزيونية، وتقد ثروته بـ مائة مليون دولار صرف 4 ملاين منها على حملته الانتخابية التمهيدية.
كانت نقطة تميز لامونت الوحيدة في حملته الانتخابية هي معارضته لاستمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق، وانتقاد تأييد ليبرمان للحرب، وأيضا انتقاد علاقته الوثيقة بالرئيس بوش. وقام لامونت بتكرار عرض فيديو للرئيس بوش يقبل فيه ليبرمان بعد إلقائه خطاب حالة الإتحاد العام الماضي.
وقد جذبت المعركة الانتخابية بين ليبرمان ولامونت اهتمام الحزبين الديمقراطي والجمهوري، واعتبروها بمثابة مؤشر على توجهات الرأي العام الأمريكي، وقد أظهرت الانتخابات أن قضية العراق تأتى على رأس أولويات المواطن الأمريكي الآن وأنها سيكون لها الكلمة العليا خلال الانتخابات المقبلة.
في الوقت الذي يحاول فيه الديمقراطيون استعادة سيطرتهم على الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريين. وفي ظل ما يوصف بإخفاقات للمشروع الأمريكي بعد الاحتلال فإن المراقبين يتوقعون أن تؤدي الانتخابات التشريعية المقبلة إلى نقل سيطرة الكونغرس من الجمهوريين إلى الديمقراطيين. حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن المرشحين الديمقراطيين يتقدمون بفارق كبير على منافسيهم الجمهوريين. وأن الحزب الجمهوري سيلقى هزيمة قاسية في الانتخابات المقبلة.
وستنظم الانتخابات التشريعية في السابع من نوفمبر المقبل لاختيار أعضاء مجلس النواب الـ435 وثلث مقاعد مجلس الشيوخ المائة.
موقف الديمقراطيين من الحرب في العراق
أظهرت انتخابات كونيتكت أن المزاج السياسي للناخب الأمريكي بعد ثلاث سنوات من حرب العراق تغير، وأصبح أكثر ميلا لوضح حد للخسائر الأمريكية هناك. وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأمريكيين غير راضين عن سياسة بلدهم الخارجية. حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة سي ان ان الإخبارية الأسبوع الماضي أن 60% من الأمريكيين يعارضون الحرب في العراق، وأن الغالبية تؤيد انسحابا جزئيا للقوات الأمريكية من العراق بنهاية العام الحالي.
وما يجعل الأمريكيين غير راضين عن سياسة بلدهم الخارجية هو ارتفاع فاتورة الحرب، حيث قتل أكثر من 2500 جندي أمريكي في الحرب التي تكلفت أكثر من 450 مليار دولار منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس عام 2003.
وأدى إصرار ليبرمان على ترشيح نفسه كمستقل إلى تكريس الصورة التي يحاول الجمهوريون رسمها للحزب الديمقراطى بأنه منقسم، ولا يمكن ائتمانه على الأمن القومي الأمريكي. وحاول هيوارد دين رئيس الحزب الديمقراطي إقناع ليبرمان بالعدول عن قرار ترشيح نفسه كمستقل أمام مرشح الحزب الديمقراطى لكن دون جدوى، وطالب رئيس الحزب الجمهوري من الديمقراطيين بالالتزام بمساندة مرشح الحزب الفائز في الانتخابات التمهيدية.
وبالفعل فقد بدا ليبرمان وحيدا بعد خسارته، وتخلى عنه قادة الحزب الديمقراطى الذين وقفوا بجواره أثناء الانتخابات التمهيدية، أمثال بيل كلينتون، وهلاري كلينتون، وهاري ريد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، السيناتور تشوك تشومر رئيس لجنة الحملات في المجلس.
وبذلك ستشهد انتخابات ولاية كونيتكت في نوفمبر المقبل منافسة بين ليبرمان ولامونت والمرشح الجمهوري آلان شيلسنجرن الذي تضعه الاستطلاعات في مرتبة متأخرة أمام المرشحين الديمقراطيين.
انقسام الديمقراطيين
وفي الوقت الذي تعبر فيه أعداد متزايدة من الأمريكيين عن رغبتهم في تغيير سياسية بلدهم الخارجية تجاه الحرب، إلا أن الحزب الديمقراطي الذي ينتظرونه ليحول هذه الرغبة إلى سياسات محددة لم يحسم أمره بعد، ويرى بعض المراقبين أن الحزب لازال منقسما فيما يتعلق بمسألة الحرب في العراق، وكثير من الأمور الخاصة بالسياسة الخارجية. فهناك ثلاث توجهات داخل الحزب الديمقراطي توجه يتزعمه ليبرمان ويري ضرورة استمرار التواجد الأمريكي بالعراق، ومجموعة يقودها جون كيري تدعو للانسحاب بحلول يوليو2007 وبأقل خسارة ممكنة، ومجموعة ثالثة تتصدرها هيلاري كلينتون، تقف في منزلة بين المنزلتين بتأييدها بقاء القوات الأميركية في العراق quot;في الوقت الحاضرquot;. غير أن هزيمة التيار الذي يقوده ليبرمان قد يساعد الديمقراطيين على بلورة موقف واضح يتجه إلى سحب القوات الأمريكية من العراق بشكل جزئي.
ولم تؤثر انتخابات كونيتكت على المرشحين الديمقراطيين فقط فيما يتعلق بموقفهم من الحرب في العراق، حيث ذكر تقرير نشرته صحيفة laquo;لوس أنجلوس تايمزraquo; يوم أمس أن عددا من المرشحين الجمهوريين يعمدون إلى إبعاد أنفسهم عن الرئيس جورج بوش خوفا من رد الفعل السلبي للناخبين تجاه ملف الحرب في العراق. إلا أن مذكرة حزبية للحزب الجمهوري أكدت عكس ذلك، حيث جاء فيها أن ملف العراق سيكون واحدا من أكثر القضايا فعالية في إثارة حماسة قاعدة الحزب المحافظ خلال سعيه للحفاظ على سيطرته على الكونغرس في الانتخابات النيابية المزمع عقدها في نوفمبر المقبل. وتوضح المذكرة، التي تستند إلى استطلاع رأي، أن مسألة إدارة بوش للتهديدات الخارجية، وعلى رأسها العراق والخطر النووي المحتمل من إيران، ستكون المحفز الأول لناخبي الحزب. وورد في المذكرة ان87% من المشمولين في الاستطلاع أبدوا مشاعر قوية تجاه مسائل الأمن القومي.
وحاول الديمقراطيون تصوير هزيمة ليبرمان على أنها كانت استفتاء على سياسة الرئيس بوش وبالتالي فهي بشير خير للحزب.
إلا أن الجمهوريين ردوا على ذلك بالتأكيد على أن ما حدث لا يعكس وجهة نظر الناخب الأمريكي، بقدر كونها تعكس محاولة الحزب بلورة موقفه المتذبذب، وأن ما حدث في كونتيكت يؤكد أن الديمقراطيين لا يمكن ائتمانهم على الأمن القومي الأمريكي. ويصور الجمهوريون الأمر على أنه انتصار لتيار اليسار المتشدد داخل الحزب الديمقراطي، الذي لا يدرك عواقب الانسحاب الأمريكي من العراق.
ويحاول الجمهوريون استخدام قضية العراق والحرب ضد الإرهاب لإقناع الأمريكيين بأنهم الأقدر على حماية الأمن القومي الأمريكي، حتى ذهب ديك تشينى إلى القول بأن هزيمة التيار الذي يمثله ليبرمان قد يعطى جرأة لإرهابي القاعدة. إلا أن الديمقراطيين ردوا بأنه على الأمريكيين ألا ينخدعوا مرة أخرى ويسيروا وراء أوهام الجمهوريين التي كلفت الأمريكيين الكثير وأفسدت صورة الولايات المتحدة بالخارج.