علي سعد الموسى


بعد ثلاثة أعوام أو تزيد من تحسس خريطة العنف والإرهاب يبرز السؤال الذي ربما لم يدر بخلد أحد: لماذا لم يسجل في منطقة عسير صوت قنبلة واحدة ولم تحاصر بها خلية ولم يكتشف بها مستودع تموين ولم تصادر فيها عمارة أو شقة سكنية احتمت بها عناصر فئة ضالة. وقبل أن نلج في إجابة السؤال لابد أن نسجل الموقف التالي: الإرهاب والعنف مشروع عولمي عالمي، ودلالة الكلمتين مختلفة، ونحن إذ نسجل - بياض - منطقة فإن هذا لا يعني أبداً محاولة تنصل من مواجهة أخطر أمراض العصر الاجتماعية.

حتى على المستوى الوطني، هو في مرضه الورمي السرطاني خلايا من كامل الجسد والشجاعة في مواجهته أن نكون في الشبر الأول على ذات القدر من اليقظة في المتر الأخير، والخلية التي كشفت في مكة أو القصيم أو الخبر هي أسماء من كل الخريطة والفكر الذي روج له هو حناجر متناثرة بها كل طيف الوطن والذين أيدوه أو سكتوا عنه بالتقية هم صناعتنا الذين سكتنا عنهم من باب حسن النية، ربما، أو ربما، ربما، لأشياء وأسباب أخرى.

أجندة الإرهاب والعنف لم تستثن أحداً وجنوده مثل أجندته تأمل أن يكون الدمار والانتشار كاملاً على الخريطة ولا شك لدينا في هذه الأهداف الضالة. تقف مثل هذه الأهداف عند حدودها إذا ما واجهت عيناً يقظة وهنا المدخل إلى تحليل وتبسيط السؤال الاستهلالي: لماذا كانت عسير - بياضاً - من القنابل والخلايا والمستودعات والشقق والعمائر؟ قلت هذا السؤال لصديق أوغل في أرشفة الإرهاب حتى يكاد الملف يحتل نصف مكتبه. جمع البيانات والأسماء والتقارير والمقالات والأخبار والأحداث والتطورات ويكاد لا يترك ورقة تتناول هذه الظاهرة إلا وجمعها: حتى هو لا يعرف سبباً لهذه الهواية. بعد أيام طويلة، عاد ليقول: لقد صدمتني بهذا السؤال المفاجأة لأن - بياض - عسير طوال هذه الفترة ينبئ، ربما، ربما، عن تجربة تستحق أن تعمم على الجميع في مكافحة هذه الظاهرة.

سبب أول: وهو سبب لا يعني أبداً التشكيك في ولاء أحد أو التنقص من قيمة سواهم، لكن الجبلي بطبعه نسيج اجتماعي مترابط. لديه إحساس هائل بقيمة المكان الذي ينتمي إليه ويربطه معه عشق استثنائي ولا نستغرب إن كان حتى هذه اللحظة يطلق على قريته اسم - الوطن - وكم هو هذا الجبلي عاشق لهذه الكلمة.

سبب ثان: وهو مرتبط باشتقاق من الأول، فهنا مجتمع متناغم مكشوف وله قياساته للجنح الاجتماعي وعلى الفرد منه أن يدفع ضريبة الخروج عن النواميس الاجتماعية السائدة بالتطرف سواء لليمين أو اليسار وتمتد هذه الضريبة لتتحول إلى وصمة وبصمة يحسب الفرد لها ألف حساب ذاك أنها فاتورة سيدفع قيمتها من كل خطواته المستقبلية لأنه باختصار سيعلم أنه بعد هذا الجنح سيقف في السلم الاجتماعي بلا مستقبل وبلا حظوة.

في مثل هذا المجتمع المتناغم المكشوف يصبح للكلمة الصادقة دورها الهام في التوعية لأن مجالس عسير تتحول إلى مجالس - توصية - وكم هو هذا المجتمع مغرم بالوصية وكم - قوَّمت - وصايا الرجال والمجالس هنا على تاريخها من الأفراد حتى أصبح المجلس وسيلة تربية. في المجتمع المتناغم المكشوف يتحول المجتمع بأسره إلى رجل أمن واحد ولهذا يصعب في هذا المجتمع أن تجدي وسائل الاختراق أو أن يتسع متر واحد منه لخلية.


سبب جوهري: أن الحاكم الإداري هنا في حجم خالد الفيصل. ذاك أنه وحده حل فكري متكامل في وجه الجنح الاجتماعي. دعك من الحديث عنه كشخصية إدارية حازمة عادلة، بل تأمل في مواجهته المبكرة جداً لبذور الظاهرة حتى قبل أن تنبت. هو مفكر متأمل في الأسباب وواضح جداً في الحديث عنها بلا مواربة مثل وضوحه في الحلول الفكرية الثقافية لهذا المرض الاجتماعي. صريح جداً في تسمية الأشياء كما هي مثل صراحته المطلقة في تأمل جذور وثمار الظاهرة الاجتماعية المرضية.

في مجلسه اليومي حديث عميق متواصل لسنوات وفي النادر أن ينفض المجلس دون أن تكون أجندة العنف والإرهاب تتناثر في جمل بين المتحاورين، وهنا لب المكاشفة لأن الحاكم الإداري مسكون بأمراض مجتمعه الإدارية والفكرية ولأن الجمهور دائماً يود سماع لغة الحاكم بوضوح حول قضاياه. ناهيك عن آلاف الأشخاص الذين مروا على هذا المجلس اليومي المفتوح وكل منهم يأتي برسالة ويخرج بنقاش ورسالة. وأكثر من هذا كانت حلول عسير وخالد الفيصل في مواجهة الظاهرة تنحو للجانب الثقافي الفكري وتحاول هذه الحلول أن تذهب للقاعدة الأكبر بين شرائح الجمهور الواسعة المختلفة.

كان خالد الفيصل أول وآخر شخص في الكون يطلق جائزة - مليونية - في البحث والمقال والصورة والقصة والمسرحية والفن التشكيلي في توصيف هذه الظاهرة وكانت هذه الجائزة أول وآخر مسابقة كونية حول الإرهاب وكانت أيضاً أول جائزة تنقل مراسمها على ثلاث قنوات تلفزيونية. وخلال الفترة الماضية من عنف الإرهاب وجه خالد الفيصل كل نشاط جائزة أبها في كل فروعها لمناقشة هذه الظاهرة فلم يبق طالب واحد أو مثقف في المنطقة إلا وكان مع الاحتشاد الاجتماعي في مواجهة هذا المرض الاجتماعي. مثل هذا الاحتشاد يخلق حالة من الوعي وخلايا العنف بكل تأكيد تريد النشاط خارج منطقة ونطاق الوعي.