السبت: 2006.08.26


اليوم، غداً
سعد محيو


لماذا غيّر الرئيس الفرنسي شيراك رأيه فجأة، وأنهى تردده فجأة، وقرر فجأة أيضاً الخوض في غمار مغامرة ldquo;اليونيفيلrdquo; (القوات الدولية) المحفوفة بشتى المخاطر والأعاصير في لبنان؟

التبريرات التي قدمها تبدو مقنعة، برغم أنها ليست كافية: الحصول على ldquo;ضمانات من لبنان وrdquo;إسرائيلrdquo; بأن القوة الدولية ستتمكن من الاضطلاع بمهمتهاrdquo;، وrdquo;تقديم توضيحات من الأمم المتحدة حول تسلسل قيادة ldquo;اليونفيلrdquo; كي تكون متماسكة وفعالةrdquo;، وrdquo;ضمان تمتع القوات الدولية بصلاحية استخدام القوة للدفاع عن نفسها ولحماية المدنيينrdquo;.

التبريرات مقنعة، لأن لفرنسا تاريخاً أسود وذاكرة عاطفية أكثر سواداً مع تجارب حفظ السلام. فهي خسرت العام 1983 في لبنان 58 جندياً في الهجمات الانتحارية، والتي أودت أيضاً بحياة 241 جندياً أمريكياً. وهي دفعت ثمناً أعلى في البوسنة خلال مهمة حفظ السلام في التسعينات، حين قتل 84 عسكرياً فرنسياً لأنهم افتقدوا صلاحيات الردع والدفاع عن النفس.

لكنها (التبريرات) غير كافية، لأنها لا توضح لماذا كانت فرنسا وراء البند المتعلق بتشكيل قوة دولية ضاربة من 15 ألف جندي في القرار ،1701 ثم تراجعت عن الالتزام بقيادة هذه القوة مكتفية بإرسال 200 مهندس عسكري، قبل أن يعيدها شيراك أمس الأول إلى موقفها الأولي.

ثمة دوافع أخرى قيد العمل دفعت الرئيس الفرنسي إلى العمل أخيراً، أبرزها على الأرجح اثنان:

الأول، الحماسة الإيطالية المفاجئة لإرسال 3000 جندي إلى لبنان ولقيادة القوات الدولية هناك. وهو تطور قرع ولا شك عشرات أجراس الإنذار في باريس، التي خشيت أن تقوم روما في وراثة دورها التاريخي والثقافي المميز في لبنان وسوريا.

والثاني، التهديدات المبطنة التي أطلقتها واشنطن باتجاه باريس، من أنها قد تلغي كل الصفقات السرّية التي عقدتها معها منذ العام 2004 والتي ولد من رحمها القراران 1559 و1701.

الرئيس الأمريكي بوش كان مهذباً حين وضع هذه التهديدات في قفازات حريرية، فاكتفى بrdquo;مناشدةrdquo; الرئيس شيراك حسم موقفه من مسألة قيادة ldquo;اليونيفيلrdquo;. لكن صديقهما المشترك، جيم هوغلاند الكاتب في ldquo;واشنطن بوستrdquo;، ناب عن بوش في صياغة التحذيرات المباشرة لشيراك على النحو الآتي: ldquo;الأمريكيون الذين لطالما جادلوا بأن لفرنسا وأوروبا دوراً بنّاء وإيجابياً تلعبانه في الشؤون العالمية بما في ذلك الشرق الأوسط، لديهم رهان ضخم على قرارك. إن الفشل في اغتنام واستخدام الفرصة الخطرة في لبنان، والتي ساعدت فرنسا نفسها على تشكيلها، سيغرق كل الآمال لتحقيق هذا الدور إلى أجل غير مسمىrdquo;.

ابتزاز على المكشوف؟

بالتأكيد. وهو يدل، على أي حال، عن مدى وحجم الطابع الاستراتيجي الرفيع الذي تضفيه أمريكا على إطلالتها على حرب لبنان. طابع يدفعها حتى إلى التهديد بنسف أثمن إنجازات إدارة بوش في السياسة الخارجية: التحالف الأمريكي - الفرنسي في الشرق الأوسط.

الآن، وبعد قول كل شيء عن أبعاد الخطوة الفرنسية ومبرراتها، نأتي إلى السؤال الأهم: هل سيؤدي انبعاث الروح مجدداً في مشروع القوة الدولية ldquo;الفعالة والنشطةrdquo;، والتي ترقص على تخوم الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة (استخدام القوة لفرض السلام)، إلى خروج لبنان من حال الحرب ودخوله إلى حال السلام؟ وهل فرص نجاح ldquo;اليونيفيلrdquo; في حلتها الجديدة، ستكون أكبر من مخاطر فشلها؟

لا يبدو، من أسف، أن الأمر سيكون على هذا النحو. ليس تماماً على الأقل.

لماذا؟