الخميس: 2006.09.07


د. حسن مدن

في الأنباء من يومين أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خاطب طلبة الجامعات في طهران مطالبا إياهم بالتخلص ممن وصفهم ب ldquo;الأساتذة الليبراليينrdquo; في الجامعة، وهو قول يفهم منه أن المقصود بذلك هم الأساتذة المستقلون في الموقف وفي الرأي عن وجهة نظر السلطات الإيرانية، أو ربما، باختصار شديد، أولئك الأساتذة المنحازون إلى تخصصاتهم الأكاديمية ويؤدون عملهم التدريسي والبحثي بمهنية وحياد، من دون أن يكون لهم موقف سياسي أو فكري، لا مع النظام الحاكم، وليس بالضرورة ضده.

هذا الموقف المتهور لرئيس الجمهورية الإيرانية يذكرنا ب ldquo;الثورات الثقافيةrdquo;، الحمراء والخضراء والبيضاء، وضف إليها ما شئت من ألوان، والممثلة في نزوع ممثلي الدهماء عندما يستتب لهم الأمر في السلطة، بعد إزاحة أنظمة مستقرة مرتبطة بالتراث الثقافي والاجتماعي لبلدانهم، فيسعون، في أوج تطرفهم، وتحت ذريعة تطهير الوزارات والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية من ممثلي العهد البائد، الذي يوصف حيناً بالبورجوازي أو الإقطاعي كما هو شأن دعاة الثورة الثقافية في صين ماو تسي تونج، أو الملكي العميل كما هو الحال في ليبيا القذافي، أو الليبرالي كما يذهب إلى ذلك الآن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ولكن تحت هذه الذريعة يجري التخلص من خيرة الأدمغة والعلماء والمفكرين والمثقفين، وحتى الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعة ومدرسي المدارس المنصرفين إلى مهنهم وواجباتهم بعيداً عن الأهواء السياسية، والذين لا يسمح لهم ضميرهم المهني ولا استقلالية شخصياتهم أن يتلونوا في مواقفهم تبعا لتغير المزاج السياسي في البلد.

المدهش في الأمر أن الرئيس الإيراني يدعو الطلبة أنفسهم للقيام بمهمة التخلص من أساتذتهم الليبراليين، في ما يصفه بالثورة الطلابية، وهذا لن يعني إلا تحريض ممثلي الأجهزة المرتبطة في النظام، حتى لو كان بعضهم على صورة طلبة في الجامعات، بهذه المهمة البوليسية التي تنتهك حرمة التعليم والجامعات ومكانة الأساتذة وهيبتهم، وهو في هذه الدعوة يذكرنا بأساليب هذا الطراز من الزعماء الذين لا يقيمون وزنا للتراث الثقافي لبلدانهم ولا بأهمية ما أنجز على مدار عقود أو قرون من تطور في الإدارة وفي التقاليد المهنية، بدليل أن نجاد تحدث عن أن عمر ما يصفه ب ldquo;التعليم الليبراليrdquo; يمتد لأكثر من قرن ونصف القرن في إيران. ورغم اعترافه بصعوبة المهمة، إلا أنه يحرض الطلبة عليها واصفا إياها بالممكنة!

لا أعرف لماذا خطرت في ذهني عند قراءة هذا الخبر صورة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، الذي رغم العمامة التي يعتمرها على رأسه، كان أكثر تفتحا وثقافة وميلا للتسامح وللمرونة الفكرية في التعاطي مع الآراء الأخرى بما لا يقاس بخلفه، رغم أن هذا الأخير آت من الجامعة، كونه أستاذاً جامعياً سابقاً، لو قارناه بخاتمي رجل الدين الآتي من المؤسسة الدينية، والذي يظل في نهاية المطاف معبراً عن مصالح الجمهورية الإسلامية وأفكارها، ولا يمثل قطعاً معها، ولكنه استطاع، بخطابه الهادئ المتزن، أن يقدم صورة أفضل لإيران في الخارج أحرج بها حتى غلاة الداعين لعزلها، كما أنه اكتسب احتراماً وتقديراً في صفوف الغالبية الساحقة من أبناء شعبه، خاصة في صفوف الشبيبة والنساء والمثقفين. فيما يقدم السلوك الراهن لأحمدي نجاد نموذجاً مغايراً يكاد يجهز على ما استطاع خاتمي تحقيقه في فترتي ولايته.