الجمعة: 2006.09.22

سعيد طانيوس

حضر قمة حركة عدم الانحياز الأخيرة في هافانا laquo;نجمraquo; سياسي لم يسطع نوره كثيرا، بسبب تسليط الاضواء على laquo;النجومraquo; الاكثر سطوعا، مثل الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز والرئيس الايراني محمود احمدي نجّاد، الا ان هذا النجم المتمثل بالرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، كان هو الممثل الوحيد للقارة الاوروبية في هذه القمة التي جمعت معظم بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
واختار لوكاشينكو الذي تقاطعه اكثرية الدول الاوروبية بالاضافة الى الولايات المتحدة وكندا، منصة قمة حركة عدم الانحياز في العاصمة الكوبية هافانا ليفضي بما يعتمل في قلبه، وليطرح جميع مواقفه وآرائه تجاه الأحداث السياسية الجارية في العالم. وقد استطاع لوكاشينكو الذي لا يسمح له بدخول أوروبا والولايات المتحدة التحدث بحرية في هافانا واسماع صوته للعالم الغربي الذي أصمّ اذانه عن سماعه وعزله، على الرغم من وقوع بلده في وسط اوروبا وقلبها.
وذكر لوكاشينكو أنه نفذ مهمة خاصة في هافانا حيث لم يمثل بلاده فحسب، بل أوروبا أيضا لأن بيلاروسيا تعتبر البلد الأوروبي الوحيد العضو في حركة عدم الانحياز. وقال الرئيس البيلاروسي في كلمته: laquo;نحن دعامتكم في العالم القديم، في أوروباraquo;. ودعا زعماء البلدان الأعضاء في حركة عدم الانحياز إلى laquo;العمل بفعالية من أجل بناء نظام عالمي جديد يكون أكثر عدلاraquo;.
ويرى لوكاشينكو أن حركة عدم الانحياز بالذات يجب أن تصبح مركز قوة سياسية مستقل في العالم. وأكد على ضرورة أن يستمع إلى رأيها أعضاء المجتمع الدولي الآخرين وان يحسبوا لها حسابا.
ومن المعروف ان الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو يعتبر من المنظرين الرئيسيين للحركة في حين تعد بيلوروسيا البلد الأوروبي الوحيد الذي لا يشارك في مجلس أوروبا، والمنضم إلى حركة عدم الانحياز. الا ان لوكاشينكو الذي تمكن من الكلام بحرية في العاصمة الكوبية، لم يستطع العودة الى بلاده بنفس الحرية، اذ اضطر للتوجه من هافانا إلى مينسك عبر أفريقيا لأن إسبانيا وكندا رفضتا مرور طائرة الرئيس البيلاروسي في أجوائهما. كما لا تعتزم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلغاء الحظر المفروض على دخول المسؤولين البيلاروس الكبار إلى أراضيها.
لكن، وعلى الرغم من الغرور الذي تتعاطى به الدول الغربية الكبرى مع الدول النامية، فإن المؤتمر الـ14 لرؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز التي تضم 118 بلدا من القارات الخمس، اعاد تجديد شباب هذه الحركة التي يمتد تاريخها لأكثر من 40 عاما، والتي لعبت دورا ملحوظا في تعزيز مواقع الدول المستقلة الفتية، التي ظهرت بعد انهيار النظام الاستعماري القديم، في الساحة الدولية. فبعد توقف laquo;الحرب الباردةraquo; والمجابهة على خط الشرق والغرب، أخذت الحركة تبحث عن مكان لها في منظومة العلاقات الدولية المتغيرة، وإعداد استراتيجية جديدة للتحرك. ومن هذه الزاوية يجب النظر إلى المؤتمر الأخير للحركة في كوبا، حيث شهدت قاعة الاجتماعات في هافانا إدانة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وتأييد خطط إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وانتقادات مبطنة للعديد من جوانب السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما منها سياسة استخدام القوة.
وقد حددت حركة عدم الانحياز في وثيقتها الختامية الاتجاهات الرئيسية لسياستها المستقبلية، وهي إصلاح هيئة الأمم المتحدة، والتحرك باتجاه عالم متعدد الأقطاب، ونظام عالمي جديد يقوم على مبدأ المساواة. ولا يمكن لواشنطن وموسكو وباريس ولندن وغيرهم من الدول الصناعية المؤثرة النظر إلى حركة عدم الانحياز الا باعتبارها أحد العناصر الأساسية في البنيان المعاصر للعلاقات الدولية، على الرغم من زيادة تعقيد هذه العلاقات عقب انتهاء الحرب الباردة، وبروز الولايات المتحدة كقطب احادي الجانب وكقوة عظمى وحيدة في العالم.
وقد رسمت حركة عدم الانحياز laquo;خارطة طريقraquo; لتحركها المستقبلي، يمكن قراءة خطوطها العريضة في laquo;الإعلان حول أهداف ومبادئ ودور حركة عدم الانحيازraquo; الذي أصدره المشاركون في القمة والبيان الختامي للقمة الذي جاء في أكثر من 80 صفحة.
وقد تضمنت هاتان الوثيقتان في المقام الأول مسائل مكافحة الفقر والهجرة غير الشرعية والتعصب العرقي والقومي. كما ادان إعلان منظمة عدم الانحياز جميع أشكال الإرهاب، ورفض استخدام مصطلح laquo;محور الشرraquo; الذي يكرره الرئيس الأمريكي بكثرة صباحا ومساء وفي كل خطاباته. ومع ان المناوئين للسياسة الامريكية حاولوا جرّ قمة الحركة الاخيرة الى تبني مواقف حادة وجذرية، الا ان الاكثرية الساحقة من رؤساء الدول المشاركة فضلوا استخدام لغة محايدة واقل انحيازا، فعندما حاولت بعض بلدان أمريكا اللاتينية التلميح في الاعلان والبيان الختامي إلى laquo;الجار الشمالي الإمبرياليraquo; وسعت الى أن تضفي على حركة عدم الانحياز طابع البديل للعالم أحادي القطب الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، لم توافقها على ذلك أغلب الدول التي لا ترغب بإثارة المشاكل مع الولايات المتحدة واعترضت علنا على هذه الفكرة. كما لم يحظ المقترح الخاص بوصف إسرائيل بالمسبب الأول للنزاع في الشرق الأوسط بتأييد جميع البلدان. وفي كل الاحوال يمكن اعتبار قمة حركة عدم الانحياز الاخيرة قمة مفصلية في تاريخ هذه الحركة، وقمة مميزة في هذه الظروف الدولية المعقدة، وخير دليل على ذلك وصف الزعيم الكوبي فيديل كاسترو لنتائجها بالقول laquo;هناك رياح جديدة تهب على هذا الشطر من الكرة الأرضيةraquo;.