الإثنين: 2006.09.25


د. عبدالله السويجي

لا يخفى على أحد ارتباك الولايات المتحدة الشديد في التعاطي مع الملف النووي الإيراني بشكل خاص، والتعاطي مع إيران كدولة ناهضة تحاول أن تكون قوة عظمى في المنطقة تمنع الولايات المتحدة أو تعوقها من فرض سيطرتها على المنطقة والتحكم بخيراتها وسياساتها، وقد ساعد على ذلك الارتباك، الغموض الذي يلف قدرات إيران النووية والتسليحية، اضافة إلى الدبلوماسية الإيرانية الذكية في التعامل مع المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة، والتي تهدف إلى كسب الوقت من أجل التحضير لشيء ما يتعلق بقدراتها العسكرية، أو الانتظار لمعرفة ما ستؤول اليه الأمور في العراق.

ومن جانب آخر، فإن إيران، ورغم اطمئنان الرئيس أحمدي نجاد إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ldquo;ليست حمقاء كي تشن هجوما عسكريا على إيرانrdquo; واعلانه أن سيرد بسرعة البرق على أي اعتداء على أراضيها، الا أن المسؤولين الإيرانيين لا يطمئنون إلى هذه التحليلات، ويضعون احتمالا، ولو ضئيلا، بأن تشن أمريكا هجوما عسكريا، من باب أن الادارة الأمريكية الحالية برئاسة بوش الابن، مغامرة إلى أبعد حد، والنماذج واضحة في أفغانستان والعراق.

قبل الهجوم الأمريكي على العراق، قال المحللون إن العراق ليس أفغانستان كي يكون لقمة سائغة في فم الأمريكان، ورغم أنه كان كذلك من حيث سرعة سقوط النظام العراقي، الا أن الواقع يقول إن العراق تحول إلى مستنقع للقوات الأمريكية، وبات من الصعب الخروج منه أو البقاء فيه. أما بالنسبة لإيران، فهي بالفعل لن تكون لقمة سائغة في فم التنين الأمريكي، لأن تجانسها العقائدي والمذهبي، واستعدادها العسكري، وأراضيها التي تزيد على مليون و600 ألف كيلومتر مربع، وكثرة مواقعها العسكرية التي يقدرها الخبراء ب 400 موقع، 75 منها تحت الأرض، اضافة إلى حدودها المشتركة مع أكثر من دولة، إذ تحدها من الشرق باكستان وأفغانستان، ومن الشمال تركمانستان وبحر قزوين وأرمينيا وأذربيجان، ومن الغرب تركيا والعراق، ومن الجنوب الخليج العربي وبحر عمان، أي أنه من الصعب التحكم بمنافذها البحرية والبرية والسيطرة على حركتها الاقتصادية والعسكرية، ناهيك عن المخاوف الأمريكية من المقاومة الشرسة التي ستبديها القوات الإيرانية في حال احتلال أراضيها، اضافة إلى وجود حلفاء أقوياء لإيران يتمثلون في المنظمات الإسلامية المسلحة مثل حزب الله في لبنان، والتنظيمات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية وميليشيات مقتدى الصدر في العراق.

وعلى الرغم من كل هذه الأسباب الوجيهة للادارة الأمريكية، الا أن هذا لا يعني ترك إيران والاستسلام لمنطقها، خاصة وأنها، كما يقول تقرير كتبه كينيت كتزمان، والصادر عن مركز خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي، لديها طموحات في الخليج العربي، ولديها مشاكل مع دول الجوار، وخصوصا مع دولة الامارات بخصوص جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي تحتلها، ولديها مشاكل مع قطر بخصوص السيطرة على حقل مهم للغاز الطبيعي. ويقول التقرير ان ما يزيد أزمة العلاقات الإيرانية الأمريكية توترا حديث إيران عن حقوق لها في بحر قزوين وخلافها مع جمهورية أذربيجان، اضافة إلى ما يراه التقرير على أنه نفوذ متزايد لإيران في أفغانستان.

ان الكلام عن قيام أمريكا باحتلال إيران أقرب إلى التنظير، خاصة في ما يتعلق ببلد مثل إيران، لديه قدرات نفطية وعسكرية، ويتحكم بممر دولي مهم وهو مضيق هرمز، ناهيك عن العلاقة شبه الاستراتيجية بينه وبين الصين، كبلد مناوئ لسياسات الولايات المتحدة في العالم والمنطقة. ورغم أن هذا الكلام تنظيري كما قلنا، الا أن المغامرة واردة، قبل انتهاء ولاية بوش الابن، لأن هدف الصهيونية المسيحية أو المحافظين الجدد، الذين تسيطر عليهم العقلية ldquo;الاسرائيليةrdquo; أو الصهيونية، تنفيذ نظرية الفوضى الايجابية، وهو مصطلح تجميلي لمعنى انتشار الدمار والخراب في العالم الإسلامي، والقضاء على كل قدراته، وجعله تابعا وبشكل مباشر للسياسة الأمريكية، والقضاء على ما تبقى من المعسكر الاشتراكي المتمثل بكوريا الشمالية وكوبا وغيرهما من الدول، الأخرى، التي لو حددناها لوجدنا أن الجيش الأمريكي سيبقى يخوض حروبا خارج بلده لسنوات طويلة قادمة.

ان هذا الحديث يقودنا إلى أهمية وجود هذا الصراع بالنسبة للاقتصاد الأمريكي وصناعة الأسلحة والصناعة بشكل عام، اذ ليس غريبا على الولايات المتحدة، أن تفتعل الصراعات من أجل تسويق صناعتها وبضاعتها، ومن ينظر إلى العراق نظرة عميقة يدرك أن السلاح العراقي والتكنولوجيا والالكترونيات والأدوية ومواد البناء التي تصدر إلى العراق كلها أمريكية، وبالتالي، فإن الحرب تخلق سوقا دائما للمنتجات، وهو أحد أهداف حروب الولايات المتحدة، وإن كلفتها هذه الحروب قتلى وأموالا باهظة.

هل تضرب أمريكا إيران؟ الاجابة عن هذا السؤال فيها مغامرة كبيرة، لأن الاحتمالات كلها مفتوحة، الا أن الاجابة الأكيدة، أن أمريكا لن تتهور في الوقت الراهن، وفي ظل المعطيات الحالية. وتعمل إيران على التحكم بالمعطيات والابقاء عليها، حتى تبقى أمريكا مشغولة بالعراق وأفغانستان، الأمر الذي يعني أن العراق سيبقى إلى وقت ليس بالقصير، يتخبط في حرب طائفية، أو حرب أهلية، حتى لو أنكر كل المسؤولين هذه الحرب، فمقتل 6600 عراقي خلال شهرين، حسب تقديرات الأمم المتحدة، لا يعني سوى حرب أهلية، وللأسف، فإن إيران تساهم بشكل أو بآخر في الابقاء على حالة العراق كما هو.