الخميس: 2006.09.28
حازم صاغية
منذ فترة والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز هو الاسم الأكثر إثارة للجدل في العالم: فهو بطل لدى كثيرين وهو شيطان لدى كثيرين أيضاً. قد يشاركه البطولة، عند محبيه، الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وقد يشاركه الصفات الشيطانية، عند كارهيه، الرئيس الإيراني
منذ فترة والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز هو الاسم الأكثر إثارة للجدل في العالم: فهو بطل لدى كثيرين وهو شيطان لدى كثيرين أيضاً. قد يشاركه البطولة، عند محبيه، الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وقد يشاركه الصفات الشيطانية، عند كارهيه، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
بيد أن شافيز، في الحالين، يبقى النجم الأشد لمعاناً. فكاسترو، لدى المحبين، مريض ومُسن كما يصعب وصفه بالديمقراطية قياساً بشافيز الذي وصل الحكم بانتخابات ديمقراطية. أما أحمدي نجاد، عند الكارهين، فيبقى خصماً سهلاً حتى لو امتلك قنبلة نووية. ذاك أن ما يقوله، لاسيما في ما يخص المحرقة اليهودية وإزالة إسرائيل من الخريطة، يقلل مصداقيته كرجل سياسة ودولة. هذا فضلاً عن النظر إليه بوصفه التابع للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
من ناحيته فإن شافيز وضعه أعقد وأكثر جديّة في آن معاً. فهو يجمعه إلى كاسترو القرب الجغرافي من الولايات المتحدة بما يرمز إليه ذلك من تحدٍّ، ويجمعه إلى أحمدي نجاد امتلاك النفط بكميات غزيرة بدأ يتضح، مع الارتفاعات الهائلة للأسعار، حجم تأثيرها في القرارات السياسيّة الدولية. لهذا نرى الرئيس الفنزويلي يحصد من تصفيق الأمم المتحدة، حين يسخر من الولايات المتحدة، ما لا يحصده غيره، فإذا رفع كتاباً ككتاب اللغويّ الأميركي المناهض لسياسات بلده، نعوم تشومسكي، شهدت مبيعات هذا الكتاب زيادة نوعيّة، وظهر بين المعلّقين من يقول إن شافيز أفيد، في ترويج الكتب، من quot;أوبرا وينفريquot; صاحبة البرنامج التلفزيوني الذي يصنع الكتب والكتّاب. وإذا ما اختار زعيم quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله أن يدلل على تحالفاته الدولية ذكر هوغو شافيز في سياق المديح والتكريم.
ظاهرة شافيز هذه، ما الذي يقف وراءها؟
ما من شك في أن كراهية الولايات المتحدة تبقى السبب الأول والأساس.
- هناك من يكره الولايات المتحدة لأن سياستها ظالمة، كما هي حال ملايين العرب والمسلمين الذين يرون أنها تدعم إسرائيل بسبب وبدون سبب، وأنها تخوض من وراء حربها على الإرهاب حرباً فعلية على الإسلام والمسلمين.
- وهناك من يكره الولايات المتحدة لأنها أنانية وجشعة يقوم ثراؤها على توزيع غير عادل إطلاقاً للثروات العالمية، فيما تحاول، بلا كلل، حرمان شعوب الأرض من الثراء الذي أحدثته وتحدثه العولمة. وهذه حال الملايين في quot;العالم الثالثquot; ما بين أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
- وهناك من يكرهها لأنها غنية وناجحة، يقصدها ملايين البشر، ممن تعاني بلدانهم الفقر، للحصول على فرصة عمل فيها، أو للدراسة هناك، فضلاً عن الحصول على جنسيتها. وهذه حالة يمكن وصفها بالحسد، والحسد لا يعرف حدوداً.
- وهناك من يكرهها لأنها في تاريخها ظلمت بلداناً وشعوباً، كما هي حال كثير من سكان أميركا اللاتينية الذين لا ينسون تواريخ الاستغلال والنهب والانقلابات العسكرية التي ابتدأت في غواتيمالا عام 1954، أو كما هو حال سكان جنوب شرق آسيا، ووراءهم حروب فيتنام وكمبوديا، أو سكان إيران الذين لا يغفرون لواشنطن دورها في إسقاط حكم محمد مصدق المنتخب عام 1953... وذلك قبل عشرين عاماً على إسقاطها لحكم سلفادور أليندي في تشيلي بطريقة مشابهة.
- وهناك من يكرهها لأن الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية انهزما أمامها بنتيجة الحرب الباردة. وهي حالة تنطبق خصوصاً على اليساريين ممن وجدوا في حركات مناهضة العولمة وفي أنظمة كالنظامين الفنزويلي والإيراني، وفي حركات كـquot;حماسquot; وquot;حزب اللهquot;، استئنافهم للصراع ضد واشنطن.
- وهناك من يكره الولايات المتحدة لأنها، أقله في عهد رئيسها الحالي جورج دبليو بوش، تعمل بصورة انفرادية لا تأخذ في اعتبارها المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة. وهي حالة تسري على كثيرين، ضمنهم منظمات حقوقية وإنسانية تعاظم استياؤها بعد تجربتي غوانتانامو وأبو غريب اللذين كشفا بعض النتائج المترتبة على ذاك النهج الأحادي والمتفرّد.
- وأخيراً، هناك من يكرهها لأنها، فضلاً عن مساهمتها في تهميش أوروبا سياسياً، تطرح نموذجاً ثقافياً يغاير النموذج الأوروبي، لاسيما منه الفرنسي، فيما تمتلك وسائل تعميم هذا النموذج من خلال سيطرتها الموسّعة على الصورة والسينما وتقنيات الاتصال عموماً.
واستعراض سريع كهذا يظهر كم أنه من السهل الاصطدام بظاهرة الكراهية لأميركا التي تحولت إلى سؤال متكرر ومضجر بعد مأساة 11 سبتمبر 2001، سؤالٍ يطلقه الأميركيون في صيغة: لماذا يكرهوننا؟ وهي ظاهرة ما كانت لتكون في مثل هذا الاتساع لولا اتساع الرقعة التي تحضر فيها الولايات المتحدة على نحو أو آخر: فهي حاضرة بقوة في السياسة والاقتصاد والثقافة والحروب ومشاريع السلام... الخ.
وهذا، في آخر المطاف، هو السبب الذي يجعل ضابطاً قليل المواهب كشافيز، حاول الوصول إلى السلطة بالانقلاب قبل أن يصل بالانتخاب، يتحول بطلاً عالمياً بالغ الشعبية. فهو أينما ضرب أصاب شيئاً من أميركا، ولابد له، من أصل كل خمس ضربات، أن يكون مرة على حق.
وقصارى القول إن الأخطاء الأميركية تعاظمت كثيراً في عهد الرئيس الحالي، وفي معظم السياسات التي اتبعها، لاسيما منها حربه على الإرهاب بالطريقة التي خيضت، وبإفضائها، في آخر المطاف، إلى المغامرة العراقية الحمقاء. وهذه سياسة لا تقبل الدفاع عنها، لاسيما وأن التماهي بينها وبين السياسات الإسرائيلية الأشد تطرفاً تماهٍ غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. وهذا كي لا نشير إلى النهج الاقتصادي- الاجتماعي للإدارة الحاليّة، أكان داخل الولايات المتحدة أم خارجها، وإلى مواقفها من الأخطار البيئيّة، وإلى مصادر هديها الأيديولوجي حيث يلعب اليمين المسيحي دوراً ملحوظاً. إلا أن أهمية ناقد كشافيز تنبع جزئياً من خلطه بين معاداة أميركا ومعاداة إدارتها الحالية. فهو، بهذا الخلط، يوسّع جمهوره ليشمل أكثرية ساحقة، فيما يؤسس لغة يمكن أن يقال بموجبها كل شيء، كما يمكن لأي شيء أن يجد مستمعين ومصفّقين.
وهذا الخلط خطير لأن المطلوب، أولاً ودائماً، كسب أميركا، بقدراتها الهائلة، لا تنفيرها وإبعادها. فالولايات المتحدة، في آخر المطاف، أكبر وأهم من أن تختصر بجورج بوش وإدارته ونهجهما. واليوم، مع اقتراب الذكرى الخمسين للعدوان الثلاثي عام 1956، نتذكر أن إدارة الجنرال دوايت أيزنهاور هي التي ردعت البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين عن مصر عبدالناصر. كما نتذكر أن واشنطن سبق لها أن دعمت استقلال الجزائر عن فرنسا، وقبله أيّدت حركات الاستقلال والتحرر الوطني التي شهدتها منطقة المشرق العربي في الأربعينيات. ولا يزال طريّاً في الذهن ذاك التقارب الذي حصل بين العرب عموماً وبين إدارة جون كينيدي الديمقراطية في الستينيات، وأطرى منه دور إدارة بيل كلينتون في الدفاع عن مسلمي يوغوسلافيا السابقة.
فلا جورج بوش كل أميركا، ولا عهده تاريخ أميركا كله. وليس من مصلحة أحد في العالم العربي اعتماد هذا الدمج التلخيصي الذي يزيد في تنفيرنا من الولايات المتحدة وفي تنفيرها منا. وأهم من ذلك أن وضع سياستنا وتنظيم مشاعرنا انطلاقاً من الرغبة في مقاتلة أميركا، حتى لو أدى بنا ذلك إلى التعاطف مع الإرهاب وإلى تحكيم الأصوليين الإرهابيين فينا وتدمير مجتمعاتنا وثقافتنا واقتصاداتنا وتعليمنا، هو الأذى الذاتي بعينه.
لكن الدمج التلخيصي هذا هو تعريفاً شرط من شروط شافيز وباقي القادة الشعبويين كيما يكتسبوا الهالة والشعبية اللتين يريدونهما لأنفسهم!
التعليقات