جهاد الخازن


ثمة عوامل كثيرة تعوق الإصلاح في العالم العربي، وسأختار منها اليوم، من دون تسلسل الأهمية، على ان اكمل غداً بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط كعقبة في وجه الإصلاح، فموضوعها أوسع من ان يحصر في فقرات من مقال واحد.

بين هذه العوامل:

- هناك حلقة مفقودة بين الإصلاحيين والأنظمة في البلدان العربية. وأنا احضر كل سنة مؤتمرات عن الإصلاح في دبي والدوحة والإسكندرية وبيروت وغيرها، إضافة الى عواصم عالمية، والمؤتمرات هذه تجمع أحياناً بعض افضل العقول، كلاً في مجال اختصاصه، وخبراء أجانب وأكاديميين وغيرهم. وربما صيغت الأبحاث في دراسات لتكون في متناول صانعي القرار.

ماذا بعد ذلك؟ المؤتمر ينتهي والمؤتمرون يعودون الى بلادهم، والأبحاث تطوى وتنسى. في الغرب دور البحث أو الفكر ذات نفوذ هائل على صنع القرار، وهي عادة بمثابة باب دوار، فالباحثون فيها ينتقلون للعمل في الحكومة، ويتركون الحكومة ويعودون الى دور البحث. وفي الولايات المتحدة إذا كانت الإدارة محافظة ترتفع اسهم دور البحث المحافظة مثل laquo;أميركان انتربرايزraquo; و laquo;هدسونraquo;، وإذا كانت ليبرالية ترتفع اسهم دور البحث المعتدلة مثل كارنغي وراند. إذا كان من باب دوار في بلادنا فهو بين اصلاحيين في مؤسسات المجتمع المدني والسجن.

- الحكومات العربية. هذه الحكومات مسؤولة عن الخراب ومع ذلك نريد منها ان تصلح ما خربت. في الغرب والشرق الحكومات تتغير بعد سنتين أو أربع أو عشر، أما في بلادنا فالحكومات تمثل أنظمة يحسب عمرها بالعقود، ولا يمكنها بالتالي ان تتهم الحكومة السابقة بأخطاء تريد هي إصلاحها، لأن أي خطأ في البلد هو من صنعها. وبعض الدول العربية ينفذ إصلاحات شكلية أو تجميلية، وانه يفعل ذلك ببطء، أو بالقطارة، لتنفيس الغضب الشعبي ورغبة الناس في الإصلاح، لا عن قناعة بالحاجة الى أي إصلاح.

- بعض الشعوب العربية يعاني من نسبة عالية من الأمية أو من تعليم سيئ هو في خطر هذه الأمية، وبعض الشعوب العربية محافظ جداً ولا يريد ان يتغير أو ينضم الى القرية العالمية. وكنت اعتقد انني وصلت الى هذا الرأي وحدي، ما جعلني أراجعه وأشكك في طريقتي في الوصول إليه. غير أنني وجدت أخيراً ما يؤيد هذا الرأي في برنامج إدارة الإصلاح في البلدان العربية الذي تديره مؤسسة كارنغي للسلام الدولي، وهي من أرقى مؤسسات الفكر في الولايات المتحدة والعالم. برنامج الإصلاح في البلدان العربية نظم مؤتمراً الشهر الماضي قرأت في الأوراق الصادرة عنه (حرفياً): ان إصلاحيين من الأردن والكويت والمملكة العربية السعودية تحدثوا عن المحافظة الاجتماعية وقالوا إن في حالات عدة الأسر الحاكمة هي اكثر استعداداً من مواطنيها لتحرير (liberalize) المجتمعات والسياسة.

- إسرائيل، وهذه شماعة مناسبة يعلق عليها كل خطأ عربي أو خطيئة أو تقصير، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة. أنا آخر من يحمّل إسرائيل المسؤولية، فالعيب فينا، ولكن، اقترح أنها جزء معوق آخر للإصلاح، ثم أسجل ان أقوى دولتين في الشرق الأوسط اليوم هما إسرائيل وإيران، أي أن أقوى دولتين هما لأقليتين يهودية وشيعية. الشرق الأوسط، كالعالم العربي كله، بل العالم الإسلامي، يتألف من غالبية سنية في حدود ٩٠ في المئة وأقليات مختلفة تمثل العشرة في المئة الباقية.

لا أساوي أبداً بين إسرائيل وإيران، فالأولى دولة إرهابية مزروعة في الجسم العربي، والثانية بلد إسلامي شقيق تجمعنا به كل أواصر العقيدة والتاريخ والجغرافيا. ما أقول هو ان الغالبية السنية في المنطقة لا بد من ان تنظر بقلق وهي ترى نفسها محاطة بدول أقوى منها لا تخفي رغبتها في فرض هيمنة إقليمية. وفي مثل هذه الحال يصبح الدفاع عن النفس أعلى في سلّم الأولويات من الإصلاح أو الديموقراطية نفسها.

- الأحزاب الإسلامية والجماعات أصبحت المعارض الرئيس للأنظمة الحاكمة غير الديموقراطية. ولكن الأحزاب الإسلامية في سوء أي نظام أو أسوأ، فهي في طبعها توتاليتارية، وإذا وصلت الى الحكم فستخرب الدنيا وتعيدنا الى القرن الثاني الهجري أو الثالث. وكنت احتفظت بمقال كتبه المستشرق برنارد لويس في عدد ٥-٦/٢٠٠٥ من مجلة laquo;فورن افيرزraquo; (شؤون خارجية)، وكان العنوان laquo;الحرية والعدالة في الشرق الأوسطraquo;. والكاتب أخذ قارئه في سياحة تاريخية منذ نزول الوحي، وخصوصاً منذ ١٧٩٨، أو حملة نابليون على مصر، وحتى اليوم، فهو يرى انه منذ سنة ١٩٤٠ ثم وصول السوفيات الى الشرق الأوسط، استوردنا نماذج أوروبية للحكم، فاشية ونازية وشيوعية، مع انه يؤكد ان الحكم التسلطي والاوتوقراطي مغاير لتاريخ العرب والإسلام بعكس ما هو شائع. وأريد قبل ان اكمل ان أوضح أنني لا اقبل أياً من أفكاره أو ارفضها وانما اعرضها لأن صاحبها نافذ جداً وهو عراب المحافظين الجدد، ومن المهم ان تعرف كيف يفكرون.

برنارد لويس يقول إن اكبر خطر على تطوير الديموقراطية في البلدان العربية والإسلامية ليس طبيعة العرب والمسلمين التي يُزعم أحياناً انها ضد الديموقراطية، وانما وجود أعداء أقوياء يصرون على مقاومتها. وأخطر هؤلاء الأعداء الأصولية الإسلامية التي تعتبر الديموقراطية جزءاً من شر اعظم مصدره الغرب. وفي حين يشير الكاتب الى إيران والعراق والشيعة فيهما فإنه يقول إن ما هو أهم من ذلك كثيراً هو الأصولية السنية، ورأيه أن الأحزاب الديموقراطية تروج لأيديولوجية غربية وتستعمل عبارات غير مفهومة، في حين ان الإسلاميين يتحدثون لغة laquo;الشارع الإسلاميraquo;. وأكمل غداً بالولايات المتحدة وسياسة نشر الديموقراطية والحرية في الشرق الأوسط.