الأربعاء03 يناير2007
د. حسن مدن
يدور الحديث في منتديات ثقافية وفكرية عربية عن مصطلح أو مفهوم ldquo;الأمن الثقافيrdquo;، وقد أثار هذا المصطلح وما زال يثير بعض التحفظات لدى قطاع من المثقفين الذين يبدون ميالين إلى الفصل بين مفهومين، لكل منهما مجاله المختلف، أي الأمن والثقافة، بيد أن العبرة ليست في المصطلح أو في طريقة اشتقاقه لغويا، إنما هي في محتواه. والخلاف حول هذا المصطلح يذكر من حيث الجوهر بذلك الخلاف الدائر بين المثقفين العرب حول فكرة الغزو الثقافي، بين الرافض لهذا التعبير، كون الثقافة هي فضاء للحوار وتفاعل الثقافات وحوارها واستفادتها بعضها من بعض، وبالتالي فإن الثقافة القادمة إلينا من خارج ثقافتنا ليست بالضرورة غزوا، أو أنها أصلا ليست بغزو، وإن في ثقافتنا من العناصر ما يؤهلها لأن تكون نداً للثقافات الأخرى فتمتص منها ما تراه مفيدا وثريا، وتلقي ما تراه خارج سياقها أو عنصراً نافراً في نسيجها.
بيد أن الرأي الآخر يذهب للقول إن حجم التدفق الإعلامي، إذا ما انطلقنا من تلك الفكرة القائلة إن الإعلام هو نفسه ثقافة أو شكل من أشكال الثقافة، إنما يتوجه نحو مكامن الخطر في بنيتنا الثقافية، التي لم تعد بالقوة التي كانت عليها يوم كان فعلنا الحضاري أقوى أثراً وفاعلية، وبالتالي فعلينا اليقظة والحذر تجاه ما يبث إلينا من مواد، بل تصل الدعوة أحياناً حد إغلاق النوافذ تجاه كل ما هو قادم من خارج بيئتنا الثقافية والحضارية، رغم أن إغلاق النوافذ في هذا العصر بات عصياً ومستحيلاً.
قلنا إن العبرة لا تكمن في المصطلح بحد ذاته، إنما هي في التفسير الذي يعطى له، وهذا يصح على كل المصطلحات في ما نرى، بما في ذلك مصطلح الأمن الثقافي، الذي يبدو أنه اشتق كرديف لمصطلحات سائدة في حقول أخرى كمصطلح الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.. الخ، وهي مصطلحات بنيت في إطار البحث عن استراتيجيات عربية للحد من حجم اختراقات الجسم العربي من الخارج، وانكشافنا على الآخرين بصورة بات فيها قرارنا المستقل في حالات كثيرة عرضة للمصادرة لأننا لا نملك مصادر القوة التي يمكن أن نرد بها على أشكال التطاول الآتي من الخارج.
والحق أن إقامة حواجز بيننا وبين العالم لم يعد أمراً متاحاً مهما كانت نوايانا بريئة وصادقة، وحتى لو توهمنا أننا أقمنا لأنفسنا بيوتا معزولة عن الخارج، فإنها في الواقع لن تكون سوى بيوت زجاجية يرى الآخرون كل ما يدور داخلها، ولأنها من زجاج فإنها سريعة الكسر حتى بالحجارة.
نحن بالفعل نحتاج ل ldquo;الأمن الثقافيrdquo;، ولكنه ذلك النوع من الأمن الذي يتيح للثقافة العربية أن تنفتح بحرية ومن دون قيود، وأن يوفر للمبدعين مناخ الإبداع والعطاء دونما خوف أو عقد، وحين تحلق ثقافتنا المبدعة عاليا نشعر بأن أجنحتنا قوية أقوى من رياح الوافد من ثقافة الاستهلاك والاستلاب والتبعية.
التعليقات