6 يناير 2007

عبدالرحمن محمد النعيمي


التزم الرئيس الأمريكي بما وعد الأمريكيين به، بأن الرئيس العراقي السابق لن يعبر العام ،2006 وان الإدارة الأمريكية ستحقق خطوة إضافية في نشر الديمقراطية في العراق، الذي تقدمه نموذجاً للمنطقة العربية التواقة الى احترام حقوق الانسان والنظام السياسي الصالح.

لكنه بإعدام صدام حسين في يوم عيد الاضحى المبارك، وبمخالفته للدستور العراقي الذي يحرم تنفيذ حكم الإعدام في المناسبات الدينية والعطل، قد أضاف عاملاً تمزيقياً آخر في الصف العربي العربي، وفي الصف العربي الايراني. وكان واضحاً ان الإدارة الأمريكية تريد التخلص من المحاكمة وتريد التخلص من صدام حسين، وتريد الإمعان في شق الصف العراقي والعربي عموماً.

لم تكن المحاكمة حول (الدجيل) تستحق الذكر اذا ما قورنت بالجرائم الاخرى التي عصفت بالعراق طيلة العقود التي تلت قيام الثورة العراقية في الرابع عشر من يوليو/تموز 1958 والتي اطاحت بالملكية، وكانت ثورة حمراء قتلت عشرات الآلاف من المواطنين، بمحاكمات صورية (أشهرها محاكمات المهداوي) ومن دون محاكمات حيث مجازر الموصل وغيرها، وأعقبها انقلاب 14 رمضان ،1963 حيث سالت الدماء الى الركب وبعدها مجازر الحرس القومي، وتلتها العديد من حمامات الدم وسط قيادات بعثية (ناظم كراز وعبدالخالق السامرائي وغيرهما) وقومية وشيوعية ومستقلة، ثم الحرب العراقية الايرانية والغزو الصدامي للكويت، ثم جرائم الحصار الاقتصادي على العراق (وكلنايتذكر تندر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، اولبرايت، حول تأثير الحصار في اطفال العراق)، حتى جاء الغزو الأمريكي للعراق، فجرى الدم شلالاً على يد القوات الأمريكية وعلى يد الفرق التكفيرية وعلى يد المليشيات الطائفية المدعومة من قوات الاحتلال والاحزاب المذهبية المتخلفة، في نظام الحكم الراهن في العراق.

ولا بد من التساؤل عن الهدف الاساسي الكامن وراء محاكمات رموز النظام العراقي السابق، هل هي لمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة، حول ما جرى من احداث كبيرة وخطيرة أثّرت ليس فقط في العراق وانما في المنطقة برمتها، وليس فقط بين الشيعة ونظام الحكم البعثي (الذي لم يكن سنياً ولا شيعياً، ولم يرتكب جريمة الدجيل على اساس طائفي، حيث لم يتردد في تصفية اقرب اقربائه في الحادثة الشهيرة لزوجي ابنتيه، ثم اقام لهما نصباً بتسمية نصب شهداء غضبة الشعب)، والدور الأمريكي في كل هذه الجرائم التي لم تكن بعيدة عن توجيه النظام للقيام بالمزيد من الحماقات الكبيرة من طراز الحربين ضد ايران والكويت، وفتح صفحة جديدة من تاريخ العراق، أم الاستمرار في مسلسل الدم وتقديم المزيد من المسؤولين لساحات الإعدام، والحديث لاحقاً عن مصالحة وطنية باتت الآن صعبة.

كان المطلوب وقف شلال الدم في العراق، من قبل من يريدون للعراق ان يكون ديمقراطياً... حيث انه من دون اشاعة سياسة التسامح والمصالحة الوطنية وايقاف الاقتتال الطائفي والعرقي، فلا يمكن للديمقراطية ان تجد لها ارضاً خصبة في العراق، بل يمكن القول إن إعدام صدام بعد محاكمة قيل فيها الكثير (ولن نتحدث عن عدالتها .. حيث لا يمكن مقارنتها مع اي محاكمة في عهد صدام) لا يؤسس لعقلية ديمقراطية، بل للمزيد من العقليات الثأرية وللروح غير الديمقراطية. ويكفي ان نشاهد على الفضائيات (وليس على الارض) تلك الحوارات الجارحة البعيدة عن الروح الوطنية المتسامحة بين الفرقاء العراقيين، حيث الاتهامات المذهبية والطائفية وغيرها من الاوصاف التي تراكم المزيد من الاحقاد بين القادة والمفكرين أكثر مما تراكم بين ابناء الحي الواحد الذي يجري تمزيقه بوتيرة متصاعدة في العراق، ويتم تهجير سكانه، بعد أن استكمل الأمريكان مسلسل التهجير العرقي، فالتقسيم هو الحل الأمريكي القادم للعراق.

وبالرغم من أهمية تدارك الوضع العراقي والضرورة التاريخية لتصفية الاحتلال الأمريكي وخططه العدوانية في هذا القطر العربي، فان من الضروري الانتباه الى بقية البلدان العربية التي لم تتكشف فيها مخططات الأمريكيين والقوى الحليفة معهم او القوى التي لا تزال أسيرة التاريخ العربي الاسلامي وصراعاته وعقلية الثارات المذهبية، او القوى التي تريد الاستقواء بالوضع العراقي او الايراني او تلك المتخوفة مما يمكن ان يحصل نتيجة تداعيات الموقف في ذلك البلد العربي المنكوب.

في البداية لا بد من التأكيد بأن من يقف وراء هذه المسلسلات الاجرامية في العراق هم المحتلون الأمريكان والبريطانيون، وهم الذين وقفوا الى جانب الكثير من المؤامرات في المشرق العربي، وبشكل خاص جريمة تقسيم المنطقة وتعميق تقسيمها الى الدرجة التي يصعب اليوم الحديث عن الوحدة العربية او الوحدات الاقليمية او التضامن العربي، بل يمعنون في جر المنطقة الى معسكرات متطاحنة من قبيل معسكر الشر او معسكر الاعتدال او غيرهما من التوصيفات، في الوقت الذي يتوجب لمّ الصف العربي والتفتيش عن القواسم المشتركة التي تدفعنا الى المزيد من التلاحم والتنسيق بين دوله.

كما لا بد من التأكيد بأن هناك قوى حاكمة وقوى اجتماعية وزعامات دينية ليس لها مصلحة في التقدم الى الامام، وهي القوى التي تعتمد عليها الإدارة الأمريكية في تنفيذ مخططاتها التمزيقية والقمعية. وفي الوقت الذي تتحدث عن الديمقراطية واحترام حقوق الانسان فإنها تقف الى جانب الانظمة الطائفية والقبلية والمستبدة في المنطقة العربية، ولا ترهن علاقاتها مع هذه الانظمة بالتقدم في مجال الاصلاحات السياسية وانما بمقدار التقدم في نهب ثروات المنطقة.

لابد من الحكمة والتعقل في التعاطي مع الشأن العراقي، ويجب ألا تكون العلاقات بين الفرقاء في الساحة الوطنية على اساس ما يجري في العراق، فمن الضروري تحصين أنفسنا باحترام قناعات بعضنا بعضاً شريطة الابتعاد عن المهاترات المذهبية والطائفية لأننا بذلك نحقق الأهداف الأمريكية.