مروان اسكندر


لبنان لا يمكن ان يكون بعيدا عما يجري في ايران وعن علاقات ايران في الخليج ومع المجتمع الدولي. وأهمية ايران واضحة ومتعددة الجانب.

فايران تحظى بخصائص بارزة في المجال الديني والموقع الجغرافي، وفي عدد سكانها وثروتها النفطية والغازية. وهناك التوجه السياسي الذي استدرج مفاوضات دولية في شأن البرنامج النووي الايراني وتمخض عنه قرار مجلس الامن الرقم 1737 الذي اقر عقوبات في حق ايران تستتبع عدم استيراد معدات وتقنيات لتخصيب الاورانيوم والصواريخ الباليستية. واضيف الى هذه العقوبات تجميد موجودات 12 ايرانيا من اصحاب المسؤوليات في نطاق الصناعة النووية و11 شركة.

يلاحظ ان العقوبات التي أقرت ليست قاسية. ومعلوم ان روسيا، مدعومة من الصين، أصرت على اقرار عقوبات معقولة من أجل استدراج ايران الى متابعة المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما ان العقوبات المقررة لا تمنع روسيا من انشاء محطة كهرباء نووية في جنوب ايران ينتظر انجازها في خريف السنة المقبلة.

ولعل من المفيد التذكير بان التعاقد على انجاز اول محطتين نوويتين لانتاج الطاقة الكهربائية في ايران تم مع فرنسا والمانيا خلال حكم الشاه. وايران كانت ولا تزال تصر على ان برنامجها سلمي ولا يهدف الى انتاج القنابل النووية. ومعلوم ان اسرائيل، الدولة غير العضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدولة غير الموقعة لمعاهدة منع انتشار الاسلحة النووية تملك عددا من القنابل النووية.
لذا وعلى رغم التركيز على الموضوع النووي، يمكن القول ان الامر الاكثر استقطابا للاهتمام والمتعلق، الى حد ما، بالمواجهة النووية، هو دور ايران في تأمين امدادات النفظ والغاز، وامكان لجوءها الى اعاقة تصدير النفط عبر مضيق هرمز جنوب مياه الخليج.

وتتمتع ايران برابع أكبر احتياط نفطي في العالم بعد السعودية والعراق وروسيا اذ يبلغ 132 مليار برميل كما تحتوي على ثاني اكبر احتياط للغاز في العالم بعد روسيا، ولا يقرب من حجم احتياطها الا احتياط قطر في منطقة الشرق الاوسط. فاحتياط ايران من الغاز يبلغ 971 تريليون قدم مكعب. وحيث ان هذه الارقام تبدو خيالية، من المناسب الاشارة الى ان احتياط ايران من النفط يوازي 10 في المئة من مجموع الكميات المكتشفة عالمياً، واحتياط الغاز يوازي 16 في المئة من الاحتياطات العالمية.

بيد ان وفرة كميات النفط والغاز لا تعني ان أهمية ايران في مجالات الانتاج والتصدير موازية لحجم الاحتياط. فالواقع ان ايران تنتج ما يساوي 4,2 ملايين برميل من النفط يوميا وتصدر من هذا الانتاج 2,6 مليوني برميل، في حين ان استهلاكها من النفط الخام يوازي 1,6 مليون برميل. وايران، البلد النفطي الكبير، تستورد بنزيناً لديها، وبعض مستورداتها يتوافر من دول خليجية ومن دول أبعد بكثير تشمل فرنسا والهند، الخ.

بالنسبة الى الغاز، الاوفر نسبيا في ايران، يمكن القول ان ايران لم تطور سوى حقول تحتوي على 30 في المئة من الغاز وقد تعاقدت مع روسيا وحديثاً مع الصين على تطوير حقول الغاز البحرية التي تواجه حقل الشمال في قطر وتتداخل مع بعض تضاريسه. ومن المعلوم ان قطر، قبل عام1995، كانت ملتزمة تخصيص ايران بنسبة مئوية من عائدات تطوير حقل الشمال، لكن هذا الالتزام الغي بعد الوجود الأميركي في قطر.

ان استعمالات الغاز، سواء للتدفئة، أو توليد الكهرباء، أو الانتاج الصناعي، أو كوقود للسيارات، أفضل وأنظف من استعمال المازوت والفيول أويل. وقد ركزت ايران جهوداً على هذا التوجه وبات نصف استهلاكها من الطاقة مصدره الغاز الطبيعي. وحيث ان ايران تأخرت في تطوير آبار الغاز، فقد حصرت تصديرها من الغاز بخط الى تركيا واهملت خطاً أنجز اواخر ايام الشاه لتصدير الغاز الى جنوب الاتحاد السوفياتي حينذاك، وبات هذا الخط يستعمل لاستيراد الغاز من تركستان الى ايران التي تستورد حاليا 200 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا.

لم تنجز ايران حتى تاريخه مشاريع لتسييل الغاز وشحنه بواسطة ناقلات الغاز السائل كما تفعل قطر على نحو متسارع مما سيجعلها البلد الاول عالميا في هذا المجال خلال خمس سنوات، ومعلوم ان كل مشروع لتسييل الغاز وتصديره يستوجب إنجازه خمساً الى ست سنوات.

اذا فحصنا تهديد ايران بقطع امدادات النفط في حال اقرار عقوبات صارمة في حقها، والقرار 1737 ليس صارما، لن يشكل انقطاع النفط الايراني مشكلة اساسية في امدادات النفط العالمية. وجدير بالذكر ان منظمة quot;اوبيكquot; أقرت خفوضات في الانتاج والتصدير تقرب من نصف حجم صاردات ايران، والواقع ان ايران لا تستطيع ماليا تغطية حاجاتها لاستيراد المشتقات النفطية وحاجاتها لصيانة المنشآت النفطية المتقادمة العهد. وكانت ايران تنتج قبيل رحيل الشاه في صيف 1978 أكثر من ستة ملايين برميل من النفط يوميا، وبعد تسلم الامام الخميني قيادة البلاد أوصى بضبط الانتاج على مستوى مليوني برميل يوميا، كما اوقف الخميني مشروع تصدير الغاز الايراني الى روسيا.

اذا اوقفت ايران صادراتها النفطية، تخسر 80 في المئة من عائدات صادراتها الاجمالية، وكانت صادرات النفط قد وفرت لايران 46 مليار دولار عام 2005. ومعلوم ان اسعار المشتقات في ايران، سواء للبنزين أو المازوت، مخفوضة وكذلك أسعار الغاز، وتاليا فان انتاج النفط ضروري لاستمرار الكثير من الصناعات، لكن اهمال أعمال التطوير والصيانة منذ تاريخ الحرب العراقية ndash; الايرانية تسبب بتقلص قدرات الانتاج بنسبة 30 في المئة.

هناك منهجان تستطيع ايران ان تؤثر، في حال اقرارهما، على امدادات النفط عالميا.

الاول تضييق فرص التصدير لنفط الكويت والسعودية والعراق والامارات بمحاصرة المنافذ البحرية في مضيق هرمز. لكن هذا الخيار غير ممكن لانه يفتح أبواب الحرب على ايران. والولايات المتحدة وبعض القوى البحرية الاوروبية، وخصوصا البريطانية، والقوى الروسية والهندية موجودة بكثافة ولا يمكن ان تسمح بتنفيذ الحصار، وايران لن تقوم بعمل كهذا. وللتذكير فقط، نشير الى تصريحات وزير النفط الايراني في صيف 2006، ايام احتدام الحرب على لبنان والتلويح بامكان صدام اسرائيلي ndash; سوري، اذ قال ان أي هجوم اسرائيلي على سوريا لن يمنع استمرار ايران في تصدير النفط الى بقية العالم.

اما الامكان الاهم لتأثير ايران على اسواق النفط الغاز العالمية، فتتمثل في فرص التعاون مع روسيا في مجالات النفط والغاز، واحتياطات روسيا وايران من الغاز توفر لما قبضة أهم بكثير على اسواق الغاز من قبضة دول quot;اوبيكquot; واتفاق ايران وروسيا على سياسة نفطية متكاملة وتخصيص شركة quot;غاز برومquot; الروسية بمجال أوسع في صناعة النفط والغاز الايرانية، من شأنهما ان يؤديا خلال خمس الى ست سنوات الى انتاج روسيا وايران ما يعادل 60 ndash; 70 في المئة من انتاج دول quot;أوبيكquot; اذا حسمنا منه الانتاج الايراني.

بدأت روسيا تكرس بوضوح ثرواتها النفطية والغازية لتوسيع نفوذها في اوروبا والشرق الاقصى وزيادة مواردها المالية. وتهدف السياسة الروسية الى استقطاب ايران، وربما لهذا السبب كان قرار مجلس الأمن، بفعل تأثير روسيا، خفيف الوطأة ومرناً في الوقت ذاته.