ساطع نور الدين

لأن معظم عناصر الأزمة اللبنانية الراهنة خارجية، برغم بعض مكوناتها المحلية، فإنه من العبث او ربما من السذاجة ترقب حلول وشيكة او طلب وساطات ومبادرات خارجية عربية كانت ام دولية، إذا كانت المنطقة كلها دخلت بالفعل في جو الاستعداد لحرب اميركية جديدة، هدفها اعادة غزو العراق واحتلاله من جديد.

حتى الآن لم تتضح صورة الغزو الاميركي الثاني للعراق وتفاصيله. وإن كانت اهدافه العراقية باتت معروفة، فإن المؤكد انه سيكون بمثابة زلزال جديد يضرب المنطقة كلها بعنف يفوق الزلزال الاول الذي ضربها عندما بدأت الغارات الاميركية على بغداد في ليل العشرين من آذار العام ,2003 والذي لا تزال آثاره المدمرة ظاهرة في مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي.

بعد الغزو الأول بأشهر قليلة، دخل لبنان في حلقة مفرغة كسرها قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559 الذي طالب سوريا بالخروج من لبنان، ثم تلاحقت التداعيات والانهيارات منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم الذي يقف فيه السنة والشيعة على شفير الهاوية، بعدما تابعوا بشكل مفصل ودقيق على مدى السنوات الثلاث الماضية اخبار الفتنة الدموية في العراق والتحولات العميقة التي احدثها الاميركيون في موازين القوى العراقية الداخلية.

بسهولة شديدة، يمكن لأي لبناني مهما كان انتماؤه الديني او السياسي، ان ينسب الاضطراب الحالي الى الغزو الاميركي للعراق اكثر مما يمكن ان يعزوه مثلا الى الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان، التي يمكن ان تُصنَّف ايضا باعتبارها واحدة من الهزات الارتدادية لذلك الزلزال المدمر الذي ضرب الكيان العراقي، والتي شملت فلسطين وأدت الى سقوط مئات القتلى والجرحى الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس ياسر عرفات، والى فوضى تشبه الى حد بعيد الفوضى اللبنانية الحالية.

وبرغم ان لبنان قد دفع ولا يزال يدفع ثمنا باهظا للغزو الاول للعراق، فإن احدا لا يمكنه ان يتوقع ان يكون الغزو الثاني اقل كلفة على اللبنانيين، او ان يستثني الجبهة اللبنانية المفتوحة على مختلف عروض القوة الاقليمية والدولية: يخطئ من يظن انه اذا قررت اميركا توسيع غزوها ليشمل سوريا او ايران هذه المرة، فإنها ستساهم بشكل غير مباشر في استعادة الاستقرار اللبناني او في تحييد لبنان او حتى في تجنيبه عواقب ذلك الغزو. والحرب الاسرائيلية الاخيرة قدمت دليلا لا يحتمل الشك على السهولة التي يمكن ان تسمح فيها واشنطن بتدمير لبنان كله، ولأهداف لا صلة لها على الاطلاق بأي مصلحة لبنانية. كما يخطئ اكثر من يعتقد ان لجوء اميركا الى الحوار مع سوريا وايران، وهو الاحتمال المستبعد حتى الآن، يمكن ان يوفر مخرجا من الازمة اللبنانية الحالية، التي لا يمكن ان تبنى على قراءات وتحليلات مبسطة لحقيقة ما جرى في تموز الماضي.

المبادرة الوحيدة التي يفترض ان ينتظرها لبنان هي تلك التي تعقب الغزو الاميركي الثاني للعراق. وكل ما عدا ذلك هو مجرد مزاح.