جميل الذيابي: على مدى اليومين الماضيين تناقل الزملاء الإعلاميون خبر تذيّل المملكة العربية السعودية قائمة الدول الأكثر قمعاً وحجباً لحرية الصحافة والصحافيين، إذ جاء بحسب تقرير مبدئي أصدرته أخيراً منظمة laquo;مراسلون بلا حدودraquo; عن سنة 2006، أنها في المرتبة الـ161، وهو مؤشر خطر على تراجع الحرية الصحافية وتقييد حرية الصحافيين.
وكانت الدراسة شملت 168 دولة فقط، والسعودية لم تتقدم إلا على دول لا تصنّف حتى بالنامية، لكونها لا تفكر ولا تعتمد على تنمية الإنسان، وهي: إيران والصين وبورما وكوبا واريتريا وتركمانستان وكوريا الشمالية، والأخيرة حلت كما هو متوقع في المرتبة الأخيرة، لخطورة تسريب أو تسرب أي خبر عن مفاعلاتها النووية وبرامجها العسكرية.
والغريب ان دولاً مثل أفغانستان وبنغلاديش والصومال وسورية وإثيوبيا والعراق وتونس تقدمت على السعودية بمراتب شاسعة. وحقاً انها laquo;مشكلةraquo; ان تتقدم علينا دول مثخنة بالجروح والحروب مثل افغانستان والصومال والعراق. ولا ضرورة لتقديم مبررات بأن هذه البلدان ارض خصبة للحروب، ولا مكان فيها لضبط العمل الصحافي نظراً إلى شتات الحكومات.
أعلم ان البعض سيطعن في مصداقية هذا التقرير، لكن ليعلم البعض من حاملي لواء المعارضة الدائمة لمثل هذه التقارير ونزاهتها، أن التقرير لم يجد معارضة من دول كبرى متقدمة على رغم تأخرها في الترتيب، مثل الولايات المتحدة التي حلت في المرتبة الـ53، وفرنسا في الـ 35، وبريطانيا في الـ 27.
ما يتوجب علينا هو تسهيل مهمة الصحافيين، وعدم حجب الحقائق ونفي النفي مثلما تعمل بعض الأجهزة الرسمية في البلاد التي يفترض فيها النزاهة، لا تعتيم الأخبار ونفيها من دون معرفة ما ورد فيها وعلام تستند، والتوقف عن محاربة الإعلاميين وسل السيوف أمامهم وحجب الأخبار الصحيحة عنهم.
خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يقدّران الدور الإعلامي جلياً، ويتحدثان في كل مرة بوضوح وجلاء، وسبق ان أصدر الملك عبدالله العام الماضي تعميماً laquo;نفيساًraquo;، يطالب فيه الوزارات والمؤسسات الحكومية بالرد على ما ينشر في وسائل الإعلام وإيضاح الحقائق وتفنيدها، إلا أنه ما زالت هناك جهات laquo;صامتةraquo; لا تحبّذ التعامل مع الحقائق، وراغبة في شنق روح الحقائق على الحبال حتى لو كانت laquo;صحيحةraquo; وثابتة وموثّقة.
لكن ذلك لا يمنعني من التساؤل، وربما الطعن في نزاهة التقرير على خجل: كيف تتقدم سورية وتونس وليبيا على المملكة وهي ألد الأعداء للإعلام، والموصوفة إعلامياً بـ laquo;العدوraquo; لقدرتها على قمع وكبح الإعلاميين وسجن الحقيقة؟!
مبروك لفنلندا التي تزيّنت بوسام الزعامة للحريات الصحافية ونالت الصدارة بجدارة، وحظيت بالريادة الدولية في العلاقة مع السلطة الرابعة، إذ جاءت في المرتبة الأولى مع آيسلندا وأيرلندا وهولندا. الدنمارك التي تربعت على عرش الصدارة العام الماضي تراجعت للمرتبة الـ19، وربما يعود ذلك إلى تراخي ظل صحافتها في نقل حقيقة الهجمة الدولية والإسلامية على حكومتها وصحافتها عقب نشر صحيفة laquo;يلاندس بوستنraquo; الرسوم المسيئة للرسول (ص)، في أيلول (سبتمبر) 2005، وإعادة نشرها في صحف أخرى، ما أثار ضجة وموجة غضب عارم واحتجاجات في البلدان العربية والإسلامية.
لبنان الدولة العربية الصغرى التي كانت تحتل المرتبة الــ 56، تراجعت إلى المرتبة الـ 107. وأعتقد ان سر التراجع لا يكمن فقط في اغتيال ومحاول اغتيال صحافيين، بل يتمثل في تزايد صحافة الأحزاب والطوائف التي تخضع لمرئيات وتوصيات تلك المرجعيات، في بلد كان يضرب به المثل في حرية الصحافة في البلاد العربية.
الكويت تربعت على الصدارة العربية بوقوفها على عتبة المرتبة الـ 73 في التصنيف العام، ثم الإمارات في الـ 77 ، ثم قطر في الـ80. أما الدول العربية التي خرجت من القائمة العشرية لتسقط في المراتب المئوية، فكانت البحرين في المرتبة الـ 111، أما مصر فجاءت في المرتبة الـ 133 على رغم اتساع صوت صحف المعارضة وفصاحة لسانها، لكن laquo;مراسلون بلاحدودraquo;... laquo;مابدهاااااااااااااشraquo;... laquo;وهي الحقيقةraquo;!
أخيراً، اذكّر بأنه في زمن laquo;الستلايتraquo; و laquo;النتraquo; لا شيء لا يُكتب ولا يُقرأ ولا يُقال ولا يشاهد مهما حاولنا ان نفعل.
[email protected]
التعليقات