د. حسن مدن


في عام 1968 طلبت مصر من منظمة اليونسكو معاونتها في عمل خريطة للآثار الغارقة بمنطقة الميناء الشرقي، فأرسلت المنظمة غواصة تمكنت من وضع خريطة لتلك الآثار أصبحت فيما بعد دليلا للعمل، وفي عام 1992 قامت بعثة أوروبية مختصة في البحث عن الآثار الغارقة بالعمل في كل من منطقتي أبي قير والميناء الشرقي، وتمكنت بفضل الخبرة وتقدم الأجهزة التي استعان بها الفريق من الكشف عن الكثير من الأسرار الغامضة لآثار الإسكندرية الغارقة، وبعد ذلك بسنوات نجحت بعثة فرنسية في الكشف عن آلاف القطع الأثرية من أعمدة وتيجان وقواعد وتماثيل وعناصر معمارية مصرية وإغريقية ورومانية، وقد لوحظ أن احد الأعمدة يتشابه مع عمود السواري يما يذكر بواقعة إلقاء أعمدة وأحجار السيرابيوم في قاع البحر في القرن الثاني عشر لصد هجوم الصليبيين.

وأثناء عمليات البحث عن الآثار الغارقة في الميناء الشرقي تبين وجود ظاهرة أثرية غريبة تحت الماء هي عبارة عن صف كتل حجرية هائلة من جرانيت أسوان الأحمر منتشرة في صف واحد تبلغ أوزانها من 50 إلى 70 طنا، ويشير أسلوب انتشارها إلى سقوطها من مكان عال اثر أحداث عنيفة، ويعتقد بعض العلماء الفرنسيين أن هذه الكتل من بقايا منارة الإسكندرية القديمة، ويلاحظ أن آخر بقايا هذه المنارة هو الطابق الأول الذي دمره زلزال في القرن الرابع عشر، وربما كانت تلك القطع بقايا هذا الطابق نتيجة الزلازل أو حملات الصليبيين على مصر.

وتم العثور أيضا على مجموعة من تماثيل أبي الهول منقوشة مختلفة الأحجام والأحجار وسواها من الاكتشافات التي تفصح عن صفحات مجهولة من التاريخ المدهش للحضارة المصرية القديمة التي أثارت وتثير اهتمام العالم كله، وليس غريبا أن هذا الكم الهائل من القطع البحرية التي اكتشفت في قاع البحر انتقلت إلى برلين حيث أقيم معرض لها في العاصمة الألمانية افتتحه منذ شهور الرئيسان المصري والألماني، قبل أن ينتقل بنحو ستة أشهر إلى باريس.

وقد كتب رئيس تحرير ldquo;الهلالrdquo; المصرية مجدي الدقاق عما وصفه بولع فرنسي بمصر وصل لأعماق البحر. وrdquo;الولع الفرنسيrdquo; بمصر هو عنوان كتاب وضعه روبيير سوليه تقصى فيه أوجه العلاقات الحضارية والثقافية والفنية بين مصر وفرنسا، متوقفا أمام الانجذاب الروحي للفرنسيين تجاه حضارة مصر وثقافتها، وكان الكتاب قد صدر بمناسبة مرور قرنين على التبادل الثقافي بين مصر وفرنسا، مع حملة نابليون على مصر، والتي ما زالت موضع بحث من جوانبها المتناقضة، ففي حين يجري إبراز الوجه التوسعي الاستعماري لها، يشار أيضا إلى ما أثارته من يقظة حضارية وثقافية في مصر. وفي هذا الكتاب يتحدث سوليه عما يصفه بrdquo;الهوس بمصرrdquo;، وهو بالمناسبة عنوان معرض أقيم عام 1994 في متحف اللوفر جذب اهتمام أكثر من 204 آلاف زائر، وهو يلاحظ أن الهوس بمصر ليس
ظاهرة فرنسية فحسب، بل إنه ظاهرة عالمية عرفت في مراحل مختلفة. فروما القديمة لم تكتف بنزع مسلات من وادي النيل فحسب وأعادت نصبها على أراضيها، بل قامت بتبني معتقدات وصروح مصرية.

حتى الأمريكيون اندفعوا، في إطار هوس مشابه، نحو بناء فندق في عام 1993 في لاس فيجاس عبارة عن هرم من ثلاثين دوراً مزود بتمثال لأبي الهول تصدر من عينيه إشعاعات من الليزر، كأن مصر الحاضرة في التاريخ، تلح على العالم في الحاضر أيضا من خلال حضارة لا يزيدها الزمن إلا دهشة وفضولا.