حكاية التشكيلات الدبلوماسية التي تعبر خطوط التماس على جبهة الصراع السياسي


المحرر الدبلوماسي - السفير


أقرّ مجلس الوزراء يوم الخميس في 12 تشرين الاول مشروع مرسوم التشكيلات الدبلوماسيّة، وشملت 59 سفيرا، وقضت بتصنيف 18 آخرين، وذلك بعد طول انتظار، ومخاض عسير، وفي أعقاب دعوات نيابيّة ظهرت خلال الجلسات التي كانت تعقد في مجلس النواب لمواكبة الاعتصام النيابي احتجاجا على الحصار الاسرائيلي الجوي والبحري الذي كان مفروضا على لبنان آنذاك.
وكانت المفاجأة يومها تعيين سبعة سفراء من خارج الملاك، قالت عنهم المعارضة ان خمسة منهم ينتمون الى مذهب واحد، ولون سياسي واحد، وهم: نواف سلام مندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة، وبسام طرباه في الجزائر، ومروان الزين في الرياض، وخالد زيادة في القاهرة، ومندوب دائم للبنان لدى جامعة الدول العربية، ورامز دمشقيّة في برلين، وعن الارمن فاسكين كافلكيان في كازاخستان، وعن العلويين خضر منيف حبيب في كوناكري.

وعلى الأثر باشرت الدوائر المختصة الإجراءات التنفيذيّة، فأبرقت وزارة الخارجيّة والمغتربين الى عواصم الدول الشقيقة والصديقة تطلب موافقة حكوماتها على السفراء الذين عيّنوا لديها، تمهيدا لصدور مرسوم التعيين والتحاق كل سفير من السفراء الذين شملتهم حركة التعيينات والمناقلات، وايضا كتب أوراق الاعتماد الصادرة عن رئاسة الجمهوريّة، فيما طلبت الدوائر المختصة في مجلس الخدمة المدنيّة ملفات كاملة بالمستندات الرسميّة المطلوبة من كل سقير من السفراء الذين عيّنوا من خارج الملاك، لإلحاقهم بملاك السلك الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية والمغتربين.
وبدأت الموافقات تتوالى من العواصم على أسماء السفراء الذين عيّنوا لديها على وقع استقالة وزير الخارجيّة والمغتربين فوزي صلوخ مع خمسة آخرين من الحكومة، نتيجة الاشكالات التي رافقت طرح مسودة مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي على مجلس الوزراء، الامر الذي أربك المسار التنفيذي لمرسوم التشكيلات الدبلوماسيّة.

استمرت هذه المراوحة أسابيع عدّة، وكانت كافية لإحياء مشاعر القنوط مجددا عند السفراء في الادارة المركزيّة، حيث شعر البعض في مرحلة من المراحل أن التشكيلات قد لا تنفّذ في ظلّ الوضع الحكومي السائد، والوضع السياسي المأزوم، الى أن تحرك الوزير صلوخ يومي الثلاثاء والاربعاء من الاسبوع الفائت، باتجاه رئاسة مجلس النواب في عين التينة، ورئاسة الجمهورية في قصر بعبدا، أسفر عن توافق على مخرج يراعي المصلحة العليا للدولة من دون ان يؤثر على التوازنات السياسيّة الشديدة الحساسيّة في هذه المرحلة.

وترأس الرئيس فؤاد السنيورة جلسة لمجلس الوزراء يوم الخميس الفائت، أنهاها وزير الاعلام غازي العريضي بمؤتمر صحافي طويل حول ما جرى من وقائع خلال الجلسة، وما صدر عنها من مقررات، وشاء ان ينقل عن الرئيس السنيورة قوله: laquo;ان رئيس الجمهورية العماد إميل لحود يمارس الاستنسابيّة في توقيع المراسيم لقرارات صدرت عن مجلس الوزراءraquo;. وأضاف: laquo;إن جدول مقارنة سيوّزع خلال أيام يظهر هذه الانتقائيّة في توقيع المراسيمraquo;.

لم يصبر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية طويلا، إذ سارع الى إصدار بيان يردّ فيه على ما ورد في المؤتمر الصحافي للوزير العريضي، ومما جاء في هذا الرد: laquo; ... ان المعيار الوحيد الذي يعتمده رئيس الجمهورية في تعاطيه مع مسألة توقيع المراسيم الصادرة بها قرارات عن مجلس الوزراء، هو ان تكون القرارات المشار اليها متخذة في مجلس الوزراء قبل 11/11/,2006 تاريخ استقالة الوزراء الخمسة، وبالتالي اعتبار الحكومة فاقدة للشرعيّة الدستوريّة.

وانطلاقا من هذا المعيار الوحيد، يهمّ مكتب الاعلام أن يؤكد على النقاط الآتية:

أولا: في موضوع التشكيلات الدبلوماسيّة: لقد وقّع رئيس الجمهورية كل مشاريع المراسيم المنفّذة للتشكيلات كما أقرّها مجلس الوزراء، والتي وردت الى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بتوقيع وزير الخارجية الأصيل فوزي صلوخ قبل استقالته من الحكومة، باستثناء مشاريع المراسيم المتعلقة بتعيين السفراء من خارج الملاك إذ وردت مشاريع مراسيم أربعة فقط من هؤلاء السفراء من أصل سبعة سفراء تمّ تعيينهم، والسفراء الاربعة ينتمون الى مذهب واحد، في حين لم ترسل مشاريع مراسيم السفراء الثلاثة الأخرين، الامر الذي دفع برئيس الجمهورية الى التريث في توقيع مشاريع المراسيم الاربعة ريثما يكتمل عدد السفراء السبعة الذين ينتمون الى ثلاثة مذاهب...raquo;.

أثارت هذه المعلومات لغطا واسعا حول السفراء الاربعة من خارج الملاك الذين وردت مشاريع مراسيم تعيينهم الى المديريّة العامة لرئاسة الجمهوريّة، وتبين أنهم السفراء: نواف سلام مندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة، وبسام طرباه الذي عيّن في الجزائر، وخالد زيادة في القاهرة، ورامز دمشقيّة في برلين. وتبيّن أيضا ان مشاريع مراسيم السفراء الثلاثة الآخرين التي لم ترد بعد الى المديريّة العامة لرئاسة الجمهورية، تعود الى السفراء مروان زين الذي عيّن في الرياض، وفاسكين كافلكيان الذي عيّن في كازاخستان، وخضر منيف حبيب في كوناكري. أما الاسباب التي أدت الى هذا التأخير فتعود الى عدم اكتمال بعض المستندات المطلوبة من قبل مجلس الخدمة المدنيّة لاستكمال الملفات العائدة الى هؤلاء السفراء الثلاثة، وإن من بين المستندات عدم حصول هؤلاء على الشهادات الرسميّة المطلوبة عادة من قبل الذين يترشحون لخوض الامتحانات الرسميّة للدخول الى الملاك الدبلوماسي في السلك الخارجي لوزارة الخارجيّة والمغتربين، وان المشكلة الرئيسيّة عالقة عند المديريّة العامة لوزارة التعليم العالي، قسم المعادلات حيث تبيّن ان السفير زين يحمل شهادة اكاديميّة من إحدى الدول الاوروبيّة، فيما يحمل السفير كافلكيان شهادة من جامعة هايكازيان، في حين ان السفير حبيب يحمل شهادة من إحدى الجامعات الاميركيّة، وكان من الطبيعي أن تتخذ الاجراءات الادارية بعض الوقت للتأكد من مدى تطابق هذه الشهادات مع القانون اللبناني المعتمد في معادلات الشهادات الاجنبيّة بالشهادات اللبنانيّة، الى ما هنالك من معايير قانونيّة وإجرائيّة أخرى.

إلاّ ان حملة الردود بين المرجعيات الرسميّة لم تتوقف، إذ صدر بيان ردّ على بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهوريّة، يتهم الرئيس لحود laquo;بالتدخل مباشرة لدى وزارة التربية، ويطلب من المدير العام للتعليم العالي أحمد الجمّال الاسراع في إنجاز معادلة شهادة السفير الارمني فاسكين كافلكيان العضو في حزب الطاشناق والمعيّن في كازاخستان، وبالفعل انصاع الجمّال تحت التهديد والوعيد وأعدّ قرارا جوّالا ضمّنه 15 شخصا آخرين لتغطية المخالفة وتمرير معادلة السفير...raquo;.

وجاء الرد من مكتب الاعلام لرئاسة الجمهورية، وفيه: laquo;... ان هذا الخبر غير صحيح وهو مختلق جملة وتفصيلا ولا أساس له، علما ان موقف رئيس الجمهورية ثابت ودائم ومعروف لجهة رفضه التدخل في عمل الادارات والمؤسسات العامة لأي سبب كان...raquo;. وصدر ايضا رد من مدير التعليم العالي ينفي انصياعه لأي تدخل او تهديد (النصوص في مكان آخر).

بعض الدبلوماسييّن يرى ان مشكلة بعض السفراء السبعة من خارج الملاك متنوعة، جانب منها إداري بحت تعالجه الدوائر الرسميّة المختصة، وجانب آخر سياسي يتصل بشكل او بآخر بالتجاذب الحاصل بين رئاستي الجمهوريّة والحكومة، وبين المعارضة والموالاة، خصوصا وان هناك من يصنّف السفراء الخمسة السنّة، سواء عن وجه حقّ او عن باطل، بأنهم ينتمون سياسيّا الى الرئيس السنيورة، وتيار المستقبل، وقوى 14 آذار، وإن رئيس الحكومة خاض معارك سياسيّة ضارية مع خصومه لتمرير السفراء الخمسة في مرسوم التشكيلات والمناقلات الدبلوماسيّة، فهل أن هذا الجانب من المشكلة هو الذي يتحكم بمسار التعقيدات التي حالت حتى الآن دون الافراج عن مشاريع مراسيم التحاقهم في عواصم الدول التي عيّنوا فيها، علما بأن وزارة الخارجيّة والمغتربين لم تتلق بعد كتب موافقة من قبل دول اعتمد بعض هؤلاء لديها؟!.

تبقى إشارة بالغة الاهميّة والدلالة في آن، وهي أن هؤلاء السفراء لن ينعموا طويلا في المراكز التي انتدبوا لها، حتى لو سارت الامور على ما يرام، وعولجت مشكلتهم فورا، وذلك لسبب بسيط يتعلق بوضعهم القانوني، فما ان يحطّوا رحالهم في البلد الذي عيّنوا فيه، ويقدّموا أوراق اعتمادهم، ويقوموا بزيارات التعارف البروتوكوليّة لكبار المسؤولين في الدولة، حتى يباشروا بزيارات الوداع تمهيدا للمغادرة والعودة الى بيروت لأنهم يصبحون مستقيلين بحكم القانون منتصف ليل 23ـ24 تشرين الثاني المقــــبل تاريخ انتهاء الولاية الدستوريّة الممددة لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وهذا يعني ان مهمتهم في الخارج ستكون لفترة أشهر معدودة، إلاّ إذا وافق رئيس الجمهوريّة الجديد على استمرارهم في مهامهم، وعندها يحتاج الامر الى مرسوم جديد يصدر عنه؟!.

ينطبق الامر أيضا، لكن من منظار مختلف، على الامين العام الجديد لوزارة الخارجيّة والمغتربين السفير هشام دمشقيّة الذي سيحال الى التقاعد لبلوغه السن القانونيّة قبل نهاية هذا العام، وهو من المتوقع ان يصل الى بيروت آتيا من برلين عند الخامسة من بعد ظهر غد الثلاثاء، وينتظر ان يتسلم مهامه في الادارة المركزية الاربعاء او الخميس من الامين العام بالوكالة السفير بطرس عساكر، كي يكون بوسع الاخير مغادرة بـــيروت على وجه السرعة الى مركز عمله الجديد كســفير للبنان في باريس، وذلك قــــبل ان تستضيف الاخيرة المؤتمـــر العربي ـ الدولي لدعم لبنـــان laquo;باريس ـ 3raquo; في الخامس والعشرين من الجاري.

وسيواجه الامين العام الجديد فور تسلّمه مهامه تحدّيا إداريّا إذ عليه أن يعدّ مشروع مرسوم بالتعيينات الاداريّة داخل الوزارة يراعي فيها التوازن الطائفي والمذهبي من جهة، والاعتبارات السياسيّة من جهة أخرى بعدما قضت التشكيلات الدبلوماسيّة بنــــقل كل السفراء رؤساء الوحدات الادارية في قصر بسترس الى الخارج، وسيـــكون هذا اول امتحان له وأول احتـــكاك مع المسؤولين المتخاصمين المتـواجهين المتباعدين لتمرير هذا المرسوم؟!.

المهم ان التشكيلات الدبلوماسية أخذ بعضها بالعبور الى حيز التنفيذ، فيما تبقى قضية السفراء السبعة معلقة بانتظار معالجة الملف الاداري لثلاثة منهم. وفي ظل التجاذب السياسي التي تشهده البلاد ينتظر ان تأخذ هذه القضية حيزا في الجدل القائم، يأمل السفراء المعنيون الا تطول مدته، حتى لا تنتهي مدة تعيينهم قبل ان تبدأ، باعتبار ان نهاية ولاية رئيس الجمهورية اصبحت على الابواب !!