الأربعاء 10 يناير 2007

أبو خلدون


يذكر كبار السن من الفلسطينيين أن باخرة تحمل اسم ldquo;تل أبيبrdquo; وصلت إلى ميناء حيفا عام 1935 وهي تقل عددا كبيرا من المهاجرين الألمان. كانت الباخرة ترفع العلم الألماني، وقبطانها عضو في الحزب النازي ومالكها ثري صهيوني، وتبين فيما بعد أن الباخرة وصلت بموجب اتفاق بين زعماء النازية ورؤساء المنظمة الصهيونية العالمية وكان مفتي فلسطين الأكبر، الحاج أمين الحسيني يقول إنه كتب رسالة احتجاج إلى هتلر حول الاتفاق قال فيها: ldquo;إن عمال الميناء من الفلسطينيين كانوا ينظرون إلى الباخرة ويتصورون أنهم في حلم، أو أن أعينهم تخدعهم، إذ لم يكونوا يتصورون حتى في أحلامهم أن ألمانيا ستضخ هذه الحقنة المنشطة في عضل الصهاينة الذين يطمحون لإنشاء دولة يهودية في فلسطينrdquo; ولم يتلق الحاج أمين ردا على رسالته.

ويقول الصحافي الألماني البارز كلاوس بولكين، في كتابه ldquo;الاتصالات السريةrdquo; وأوليفيا أوجاردي في كتابها ldquo;وحوش الأبوكاليبسrdquo; إن التعاون كان كاملا بين الزعماء الصهاينة وألمانيا النازية، رغم كل ما يقال عن اضطهاد النازيين لليهود الألمان، وقد أثمر هذا التعاون برنامجا يطلق عليه اسم ldquo;هافاراrdquo; يتيح لليهود الهجرة من ألمانيا ومقايضة ممتلكاتهم بمعدات وأجهزة ومنتوجات من صنع ألماني، وقبل بداية الحرب العالمية الثانية كان الصهاينة في فلسطين قد استقبلوا70 ألف مهاجر من ألمانيا من خيرة المثقفين، وتلقوا ما تعادل قيمته 140 مليون مارك من المعدات الصناعية الألمانية شكلت البنية التحتية للصناعة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في المستقبل، وأنقذت الاقتصاد الألماني الذي كان يعاني في تلك الفترة بسبب مقاطعة اليهود في كل مكان في العالم للبضائع الألمانية. وبموجب هذا البرنامج، جرى تكليف الزعيم النازي أدولف إيخمان الذي اختطفه اليهود من الأرجنتين وقدموه للمحاكمة كمجرم حرب، بإنشاء ما أطلق عليه ldquo;معسكرات زراعيةrdquo; للشباب اليهود في النمسا لتدريبهم على حياة الكيبوتز، كما زار فلسطين والتقى مع زعماء الأقلية اليهودية فيها، ووضع القواعد الأساسية للتعاون بينهم وبين ألمانيا، وأعد تقريرا بذلك لا يزال محفوظا في أرشيف ملفات هتلر.

ويعيد المؤرخون التعاون بين الصهاينة والنازيين إلى سببين: أولهما عنصرية الحركتين، فكلاهما يؤمن بنقاء العنصر، وثانيهما أن هذا التعاون يفيد الطرفين، فهو يريح ألمانيا من عدد كبير من مواطنيها اليهود البالغ عددهم في منتصف الثلاثينات نصف مليون شخص كان 9000 منهم يؤمنون بالصهيونية فقط، والباقي يطالب بالاندماج في المجتمع الألماني ويرفض الفلسفة الصهيونية، وفي الوقت نفسه يساهم التعاون في تنشيط الهجرة بين يهود النخبة إلى ldquo;إسرائيلrdquo;، ويذكر الحاخام موشيه شونفيلد أن التعاون ظل قائما حتى أثناء ما يطلق عليه ldquo;الهولوكوستrdquo; ويقول إن زعماء المجلس اليهودي العالمي تعاونوا مع النازيين وخدعوا اليهود من غير الصهاينة، وكان الصهاينة يرون أن الأفضل لليهودي الأوروبي غير الصهيوني أن يموت، كما كانوا يرون أن الهولوكوست يمكن أن توفر أرضية أخلاقية وسياسية لإنشاء الدولة اليهودية التي حلم بها هرتزل، ويذكر حاييم وايزمن أنه قال، عندما سمع الأخبار الأولى عن الهولوكوست: ldquo;هذه حجر الأساس لقيام إسرائيلrdquo;.

ويقول المؤرخ بن هشت إن النزاع في الشرق الأوسط لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التاريخ، ويضيف: إن حل المشكلة ليس في يد زعماء الليكود وكاديما وحزب العمل في ldquo;إسرائيلrdquo; ولا في يد أمريكا أو يهود أمريكا، وإنما بيد أباطرة المال اليهود في الغرب، فهم الذين خلقوا المشكلة من الأساس، والصهيونية مجرد حركة وظيفية لهم.

وربما كان بن هشت على حق في ذلك.