د. حسن مدن


شاركت منذ يومين أو ثلاثة، في حلقة بثتها القناة الأولى في محطة ldquo;أوربتrdquo; وبمعية الأستاذة في جامعة الكويت الدكتورة ابتهال طاهر ضمن برنامج ldquo;أوراق خليجيةrdquo; الذي يقدمه الإعلامي الكويتي القدير محمد القحطاني حول ما أطلق عليه في البرنامج: ldquo;ثقافة النزول إلى الشارعrdquo;. الفكرة هنا متصلة بما شهدناه في بعض العواصم والمدن العربية من ميل إلى استخدام التجمهر أو الاعتصام أو التظاهر في الشارع وسيلة ضغط لتحقيق مطالب معينة، ذات طابع سياسي أو معيشي، إما بتوجيه من أحزاب وقوى سياسية وجماعات ضغط دائمة أو مؤقتة تتشكل للمطالبة بمسألة من المسائل، أو بتحرك عفوي من الناس حينما تجد نفسها مندفعة إلى الشارع من تلقاء نفسها، تحت تأثير حدث قد يكون بسيطا يكون بمثابة الشرارة التي تشعل فتيل الانفجار الاجتماعي والسياسي في مجتمع من المجتمعات، بعد أن تكون عوامله قد اختمرت في ثنايا المجتمع وطياته الداخلية في عمق القاع، فتنتظر ما يحرضها على الإفصاح عن نفسها.

وللحديث عن الشارع مقاربات عدة، فمن جهة علينا أن نلاحظ أن من علامات أي مجتمع ديمقراطي أو ينشد أن يكون ديمقراطيا، مدى ضمانه لحق الأفراد والجماعات المنظمة في أن تستخدم وسائل التعبير والاحتجاج والمعارضة المختلفة من ابسطها حتى أعلاها، طالما كان الأمر في إطار ضوابط يضعها القانون، بدءا من مخاطبة السلطات كتابة بصورة مباشرة أو عبر النشر في الصحف ووسائل الإعلام للمطالبة بمطلب من المطالب، أو اللجوء إلى الإضراب عن العمل بقيادة النقابات والاتحادات المهنية، أو حتى الذهاب إلى الشارع مباشرة على شكل مظاهرة أو اعتصام أو تجمع. وكثيرا ما تلجأ الحكومات إلى تقييد هذا الحق عبر سن قوانين للتجمعات تتضمن الكثير من الكوابح والقيود على هذا الحق.

وعلينا في هذا السياق أن نذكر وبإشادة بالغة السابقة المحمودة للقضاء الكويتي الذي حكم، ربما للمرة الأولى في بلد عربي في حدود ما نعلم، بإبطال قانون التجمعات لعدم دستوريته، كونه يصادر حقاً أصيلاً نص عليه الدستور. وطالما كان الأمر يتصل بالكويت فعلينا ملاحظة أن التجمعات الشبابية الحاشدة في الشارع هي التي أفضت منذ شهور إلى تعديل نظام الدوائر الانتخابية هناك، بتقليصها من خمس وعشرين دائرة إلى خمس دوائر كبيرة بصورة تحقق فرصا أوسع بكثير للتمثيل الديمقراطي للشرائح والقوى الاجتماعية والسياسية في المجالس المنتخبة، وخاصة في مجلس الأمة، وقد قدر لهذا التحرك الذي تحصن بموقف نيابي داعم أن يحقق هدفه في واحدة من الحالات التي تبرهن انه بوسع التحركات الشعبية التي تعتمد الشارع وسيلة ضغط أن تحقق مطالب وأهدافا وطنية وسياسية مهمة. وليس حالة الكويت هي المثال الوحيد على ذلك، ففي بلدان عربية وغير عربية أخرى، أكدت التجربة أن الاستخدام السلمي والحضاري للشارع بوصفه وسيلة تأثير هو مظهر من مظاهر الممارسة الديمقراطية ونضج الحركة السياسية والجماهيرية في المجتمع المعني.

لكن الشارع، مثله مثل أي ظاهرة أخرى، يحمل طابعاً متناقضاً أو مزدوجاً، وهذا ما نود الوقوف أمامه في حديث لاحق.