جيفري كمب

ما عدا الأزمة العراقية المستفحلة، يعتبر الموضوع الإيراني من أكثر القضايا إلحاحاً على السياسة الخارجية الأميركية في الوقت الحالي. والتساؤل المحير يتمثل في: هل إيران قوة إقليمية مهيمنة تسعى إلى بسط سيطرتها على جيرانها عندما يغادر الأميركيون، أم أنها مجرد دولة تشعر بعدم الأمان ومصممة لذلك على حماية نفسها من التطلعات الإمبريالية للغرب الساعي إلى تغيير نظامها؟ لا يعدم الذين يسعون إلى تصوير النظام الإيراني على أنه شر مطلق الحجج والبراهين مثل سلوك إيران في الآونة الأخيرة من كذبها على المجتمع الدولي وخداعها له بشأن برنامجها النووي، إلى التصريحات المعادية للسامية التي يدلي بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرتبطة بإسرائيل والهولوكوست، ثم دعمه وتسليحه لـquot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot; إلى جانب الجماعات المسلحة في العراق، ناهيك عن سجلها الباهت في مجال حقوق الإنسان، وهو ما تشير إليه أغلب الدول الغربية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. والأخطر من ذلك الدور الذي باتت تلعبه إيران في صعود الشيعة في الشرق الأوسط، وهو التطور الذي يزعج كثيراً القيادة السُّنية في المنطقة.

وفي هذا السياق، يعتقد بعض المراقبين أن إمكانية تحول إيران إلى قوة إقليمية تعد أخطر تطور جيواستراتيجي في القرن الحادي والعشرين. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يرون في التحذيرات الحالية من صعود إيران أمراً مبالغاً فيه، فهم يشيرون إلى الطبيعة المعقدة والديناميكية للمجتمع الإيراني. فباستثناء تركيا وإسرائيل تعتبر إيران الأكثر ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وليس ذلك راجعاً إلى نظام الملالي، بل إلى حيوية وتعددية المؤسسات المدنية التي ترفض الانصياع للأساليب العنيفة للنظام الإيراني. كما أن أغلب الزوار الغربيين لإيران يعودون منبهرين بتنوع المجتمع الإيراني وتفتحه، رغم القواعد الأخلاقية المزيفة التي يحاول النظام فرضها، وانخراط الشرطة السرية في تعقب المعارضين واغتيالهم. هذه المبالغة التي يراها بعض المراقبين في التحذيرات الغربية من طهران، تستند إلى ما يعتبرونه صعوبة تحول إيران إلى قوة إقليمية.

والأخطر من ذلك حسب هؤلاء أن التركيز على خطر ليس موجوداً قد يساهم في تبرير أي توجه أميركي لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران. فرغم أن إيران تتسبب في عدد غير قليل من المشكلات داخل المنطقة، فإنها أضعف مما يتصور البعض. وبينما يظهر التدخل الأميركي في العراق فشل السياسات الأميركية في المنطقة، فإن أي تفكير في اتجاه إعادة الكرة مع إيران قد يؤدي إلى نتائج كارثية. وحتى إذا كان النظام الحالي في طهران ينزع نحو الهيمنة في الشرق الأوسط، فهو ليس النظام الوحيد الذي تعاقب على إيران وأظهر الميول نفسها في ظل طموحاتها السابقة والمتجددة على الدوام في المنطقة. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً من مسألة صعود إيران هو مدى استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة لوقف الوضع المتردي في العراق والحيلولة دون انزلاقه إلى حرب أهلية شاملة.

فإيران ليس من مصلحتها إشعال حرب في العراق، لأن ذلك قد يؤدي، في أسوأ الحالات، إلى انسحاب أميركي من العراق، بينما قد ينتهي الأمر بإيران إلى تولي المسؤولية في العراق. هذا السيناريو القاتم هو ما تسعى طهران جاهدة لتفاديه، لاسيما في ظل مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب.

يضاف إلى ذلك المأزق الذي وضع فيه الرئيس أحمدي نجاد بلاده على الصعيد العالمي. فرغم الذكاء الذي أظهره أحمدي نجاد في استخدام ورقة المشاعر القومية لحشد التأييد الشعبي للبرنامج النووي، فإن تصريحاته النارية بشأن إسرائيل والهولوكوست وضعت الدبلوماسيين الإيرانيين في موقف حرج أمام نظرائهم في العالم. فجاء الرد الشعبي واضحاً من خلال الفشل الذي مني به مؤيدو أحمدي نجاد في الانتخابات البلدية الأخيرة، وانتخابات مجلس الخبراء، التي شهدتها إيران في شهر ديسمبر الماضي لتبرز فرصة أخرى أمام الواقعيين والإصلاحيين للعودة مجدداً إلى السلطة، لاسيما إذا ما استمر الوضع الاقتصادي في التدهور.