سمير عطا الله

أفقت أمس على تغريد البلابل. المئات من البلابل. وربما الآلاف. لا أدري. واعتقدت عندما أفقت أنني في حلم، فعدت إلى النوم. لكنها ظلت تغرد تحت نافذتي. وتطلعت من خلف الزجاج فرأيت مئات العصافير فوق عشرات من أشجار laquo;البوغانفيلياraquo;، أحب العرائش عندي. وعندها قلت، يا صبي، انه حلم، فعد إلى النوم لكي لا ينقطع.

منذ سنوات طويلة حرمنا من تغريد البلابل والعصافير في لبنان. وعندما أفيق في الصباح في قريتي أرى شجرا كثيرا ولا اسمع بلبلا واحدا يغرد سيمفونيته، أو عصفورا صغيرا. أو حتى دوريا مهاجرا. لقد أخاف الصيادون أسراب الطير أو أبادوها. وأصبحت طيور الأرض والبحر تحيد عنا في طريق الصيف وطرق الشتاء. وقد زرعت في حديقتي الكثير من laquo;البوغانفيلياraquo; لكنها لا تزال صغيرة مثل زغب الطيور التي أجفلها صيادو لبنان.

جئنا إلى جزيرة laquo;صير بني ياسraquo; على أطراف أبوظبي ضيوفا على الشيخ محمد بن زايد. وصلنا في المساء ولم نر الكثير من الجزيرة المترامية. وفي الصباح قامت البلابل تعزف نشيد الفرح بلا انقطاع. هنا لا يقتلون العصافير. ويزرعون الشجر في الرمال، ويحلون المياه المالحة من أجل أن ينبت العشب وتعلو الأشجار ويكثر الفيء في الصحراء وتأمن البلابل إلى أنها سوف تغني دون خوف من متوحش. وهنا ربما أكثر من أي مكان في العالم يصبح أن تستعاد قصيدة الأصمعي المغردة laquo;صوت صفير البلبلraquo; التي وضعها على وزن التغريد الطويل:

صوت صفير البلبل هيج قلب الثمل

الماء والزهر معا مع زهر لحظ المقل

وأنت يا سيد لي وسيدي ومولي لي

فكم فكم تيمني غزيل عقيقلي

قطفته من وجنة من لثم ورد الخجل

فقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهرول

والخوذ مالت طربا من فعل هذا الرجل

فولولت وولولت ولي ولي يا ويل لي

فقلت لا تولولي وبيني اللؤلؤ لي

قالت له حين كذا انهض وجد بالنقل

وقتية سقونني قهوة كالعسل لي

شممتها بأنفي أزكى من القرنفل

في وسط بستان حلي بالزهر والسرور لي

والعود دندن دنا لي والطبل طبطب طب لي

طب طبطب طب طبطب طب طبطب طبطب طب لي

والسقف سق سق سق لي والرقص قد طاب لي

شوى شوى وشاهش على ورق سفرجل

وغرد القمر يصيح ملل في ملل

ولو تراني راكبا على حمار اهزل

يمشي على ثلاثة كمشية العرنجل

والناس ترجم جملي في السوق بالقلقلل

والكل كعكع كعكع خلفي ومن حويللي

لكن مشية هاربا من خشية العقنقلي

الى لقاء ملك معظم مبجل

يأمر لي بخلعة حمراء كالدم دملي

اجر فيها ماشيا مبغددا للذيل

انا الاديب الالمعي من حي أرض الموصل

نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الأدب لي

أقول في مطلعها صوت صفير البلبل