16 يناير 2007

د. أحمد البغدادي

يشهد العالم العربي, وخاصة الخليجي، مزيداً من تخصيص الجوائز الثقافية للأعمال الإبداعية, والتي يدعمها رجال أعمال أو حكام عرب أو أثرياء, وذلك لتشجيع المثقفين على الكتابة وتقديم الأعمال الثقافية الجادة. لكن هل يساعد ظهور هذه الجوائز الثقافية مع افتراض وجود كل النوايا الحسنة لتشجيع الثقافة على تطور الوضع الثقافي في العالم العربي؟ بتعبير آخر, هل مشكلة الوضع الثقافي المتردي تعود إلى عدم وجود جوائز تشجيعية للكتّاب, أم لغياب حرية التعبير؟ لأوضح الصورة بدرجة أكثر وضوحاً: هل من مجال لرواية ذات طابع جنسي, ولنقل إنها تتعرض لمشكلة الجنس الثالث في دول الخليج, كي تفوز بجائزة فيما لو أجمع النقاد على جودتها روائياً؟ الإجابة بكل صراحة ووضوح, لن يحصل هذا الروائي على أي جائزة عربية, حتى لو فاز بجائزة quot;نوبلquot;! وما حصول الأديب المرحوم نجيب محفوظ على جائزة نوبل عن روايته quot;أولاد حارتناquot; التي يعرض فيها قصة الخلق والأنبياء بأسلوب روائي, عنا ببعيد. ترى هل حصلت هذه الرواية على اهتمام أي جائزة عربية؟ يكفي أن يحول دون ذلك منعها من الأزهر حتى يتم تجاهلها على جميع المستويات... وهذا ما حصل. يعني ذلك أن الروايات أو الكتب الفكرية التي يتم منعها في بلادها، لأسباب دينية أو اجتماعية، لن تحصل على فرص متساوية للحصول على الجوائز العربية الموجودة على الساحة. إضافة إلى حقيقة أن القائمين على هذه الجوائز يحسبون ألف حساب للمسألة الدينية والعادات والتقاليد العربية البالية, الأمر الذي لا يتيح مجالاً حقيقياً للإبداع الروائي أو الفكري.
بناء على ما سبق لن يوفر وجود الجوائز الثقافية، مهما كثرت, تطوراً وتقدماً للوضع الثقافي, بقدر ما يقدم الجانب المالي شيء من الدعم النفسي للكتاب, خاصة أن معظم المثقفين والروائيين العرب حالتهم المادية قريبة من العدم. لست أقول بأن هذا الأمر ليس جيداً, بل ما أود توضيحه هو أن تردي الوضع الثقافي العربي لن يتوقف مع وجود هذه الجوائز الأدبية, وذلك لانعدام الحريات الفكرية. فالمثقف والكاتب العربي يضع لنفسه ويلزمها بخطوط حمراء واضحة جداً تمنعه من تجاوز ما يتنافى مع الدين أو الجنس أو السياسة أو العادات والتقاليد. ومهما أنكر المسؤولون عن هذه الجوائز هذا الاتهام, تظل الحقيقة المؤلمة قائمة دائماً: غياب الحرية اللازمة للإبداع الفكري. وهي أزمة لا يمكن لآلاف الجوائز التشجيعية أن تحلها, لأنها تقع في صلب المجتمع, حكومة وشعباً. بمعنى أن المجتمعات العربية لا تزال ضد الإبداع الفكري في الكتابة والفنون بشكل عام. ويلاحظ أن عدد الإصدارات الإبداعية يقل كل عام, بل إن العالم العربي بأجمعه لا يصل إلى مستوى دولة صغيرة مثل اليونان في الترجمة, فضلاً عن إحجام المؤلفين العرب عن الخوض في القضايا الدينية النقدية الشائكة.
إن الاعتقاد السائد لدى العرب, هو أن المال يمكن أن يحل المشاكل على اختلاف أنواعها, ومنها المشكلة الثقافية! وهو ما أثبتت الأيام بطلانه. مرة أخرى, لست أقلل من شأن الجوائز الثقافية, لكنها لا تمثل حلاً للأزمة الثقافية العربية التي تعود إلى غياب الحرية الفكرية وحرية التعبير في المقام الأول.