16 يناير 2007


ديفيد سنجر

لأكثر من سنتين بعد سقوط صدام حسين ارتكزت الحرب في العراق على ملاحقة المتمردين وعناصر quot;القاعدةquot; والقضاء عليهم، لكن رقعتها اتسعت في السنة الأخيرة لتمتد إلى جهود وقف الاقتتال الطائفي الدائر في العراق. ويبدو أن جبهة ثالثة قد فُتحت في العراق خلال الثلاثة أسابيع الأخيرة عندما أقدمت القوات الأميركية في غارتين منفصلتين على اعتقال عناصر إيرانية، فيما كُشف عن أوامر سابقة صدرت عن الرئيس بوش نفسه تخول القوات الأميركية استهداف الإيرانيين. ويؤكد المسؤولون في الإدارة الأميركية أن الهدف من فتح الجبهة الجديدة في العراق إنما تقتصر على منع الإيرانيين من مساعدة عناصر المتمردين في شن الهجمات ضد القوات الأميركية والعراقية. غير أن ما رشح مؤخراً في تصريحات بعض المسؤولين البارزين في الإدارة الأميركية يلمح إلى أن أجندة الإدارة الأميركية قد لا تقتصر على استهداف عناصر إيرانية في العراق، بل قد تمتد إلى ما هو أبعد متمثلة في إعاقة التطلعات الإيرانية للسيطرة على الشرق الأوسط من التبلور على أرض الواقع.
وفي هذا السياق وصفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في لقاء أجرته يوم الجمعة الماضي قبل زيارتها الحالية إلى منطقة الشرق الأوسط الجهود الأميركية لتطويق إيران داخل العراق بأنها استراتيجية لمواجهة quot;السلوك المؤدي إلى زعزعة الاستقرارquot; الذي تسلكه إيران في المنطقة. ومن جانبه صرح quot;ستيفان هادليquot;، مستشار الأمن القومي للرئيس بوش يوم الأحد الماضي في برنامج تلفزيوني على شبكة quot;إن. بي. سيquot; بأن الولايات المتحدة تسعى إلى مواجهة الجهود الإيرانية الرامية إلى quot;بسط هيمنتهاquot; على عموم المنطقة. واللافت أن التوجه الجديد لإدارة الرئيس بوش لمواجهة التدخل الإيراني في الشرق الأوسط والحيلولة دون تمددها في المنطقة لا يلاقي أدنى تحفظ حتى من أشد منتقدي سياسة الرئيس بوش. وقد سبق لموظفين في الإدارة الأميركية أن أبدوا تخوفهم في 2003 قبيل غزو العراق من إيران باعتبار أنها أكثر خطراً على أمن واستقرار المنطقة.
غير أن الرأي السائد وقتها لدى معظم المسؤولين في الإدارة الأميركية كان الاعتقاد بأن الإطاحة بنظام صدام حسين ستبعث برسائل دالة إلى النظامين الإيراني والكوري الشمالي، بعدما زج بهما الرئيس بوش ضمن تصنيف quot;محور الشرquot; خلال خطابه عن quot;حالة الاتحادquot; لعام 2002. ويتذكر مسؤول عمل في الإدارة الأميركية في تلك الفترة وتركها لاحقاً أن هذا الرأي كان quot;يتردد في كل الاجتماعات تقريباً، إذ كان يعتقد أن التدخل في العراق سيجعل المشاكل في إيران وكوريا الشمالية أقل تعقيداًquot;. والواقع أن التطورات اللاحقة أثبتت العكس تماماً بعدما قامت كوريا الشمالية بتجربتها النووية الأولى في شهر أكتوبر المنصرم، وسارعت إيران في عملية تخصيب اليورانيوم، رغم كل الجدل العالمي حول برنامجها النووي.
واليوم وحتى بعد صدور تقرير quot;مجموعة دراسة العراقquot; الذي يوصي بإشراك إيران في حوار حول مستقبل العراق يبدو أن واشنطن تفضل الدخول في مواجهة مع طهران. فقد أرسلت الولايات المتحدة المزيد من قطعها البحرية إلى مياه الخليج، كما نصبت بطاريات جوية وأخرى مضادة للصواريخ قبالة السواحل الإيرانية، فضلاً عن ضغطها على العديد من الشركات العالمية لقطع تعاملاتها مع إيران وإغارتها الأخيرة على أهداف إيرانية في العراق. ويقر quot;كينيث بولاكquot;، مدير الأبحاث في quot;مركز سابانquot; التابع لمؤسسة quot;بروكينجزquot; بأن quot;الإدارة الأميركية فعلاً تركز انتباهها هذه الأيام على إيران، وأعتقد أنها تبالغ قليلاً في تصوير الأنشطة التي تقوم بها طهران داخل العراقquot;. لكن quot;كينيثquot; يضيف محذراً أنه quot;من شأن هذا التوجه أن يقود إلى نتائج عكسية لأنه قد يؤدي إلى اتساع العمليات الأميركية والانجراف إلى صراع مسلح، لاسيما وأن الإيرانيين سيحاولون أن يثبتوا لنا أنه ليس من السهل النيل منهمquot;.
وفي ظل اعتراف الإدارة الأميركية بالفوائد التي جنتها إيران من غزو العراق يتساءل العديد من المسؤولين عما يمكن القيام به لقطع الطريق على إيران ومنع نفوذها من التغلغل أكثر في العراق. والجواب كما صاغه مجلس الأمن القومي يتمثل في مهاجمة الجيش الأميركي لأهداف إيرانية يعتقد أنها تساعد الجماعات المتمردة، وهو قرار اتخذه الرئيس بوش قبل شهور عدة، لكن لم يكشف عنه سوى في الأسبوع الماضي. وهكذا شنت القوات الأميركية في الشهر الأخير هجومين منفصلين على أهداف إيرانية الشيء الذي أثار غضب المسؤولين العراقيين. فقد طالب وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري يوم الأحد الماضي بإطلاق سراح الإيرانيين الخمسة الذين تم اعتقالهم في الغارات الأخيرة التي جرت يوم الخميس المنصرم في مدينة أربيل. وفي مقابلة أجراها في مع شبكة quot;سي. إن. إنquot; الإخبارية أوضح quot;زيباريquot; أن المعتقلين ينتمون بالفعل إلى الحرس الثوري الإيراني، إلا أن الجهة المستهدفة تبقى مع ذاك مؤسسة quot;تابعة للنظام السياسي الإيرانيquot;. وتعد مسألة الاختلاف الاستراتيجي مع الحكومة العراقية حول طريقة التعامل مع الإيرانيين في العراق أحد الأسئلة المهمة التي تواجه مقاربة بوش الجديدة.
أما باقي الأسئلة التي تثيرها سياسة بوش إزاء طهران فتتمثل فيما إذا كانت العمليات الأميركية ستقف عند الحدود الإيرانية دون أن تتوغل بعيداً. وفي هذا الإطار صرح وزير الدفاع quot;روبرت جيتسquot; خلال شهادته أمام الكونجرس أنه لا يرى حاجة للتوغل داخل الحدود الإيرانية. ومع ذلك حرص المسؤولون الأميركيون على عدم إقصاء إمكانية قيام الجيش الأميركي بعمليات داخل إيران. وتعضد هذه الإمكانية تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي الذي قال في برنامج تلفزيوني quot;إن العراق هو المكان الأنسب للولايات المتحدة لمواجهة الإيرانيينquot;. ويضاف إلى ذلك سؤال ثانٍ يشغل بال المراقبين يتمثل في طبيعة الجهود التي ستبذلها إدارة الرئيس بوش لتعطيل البرنامج النووي الإيراني. لكن يبقى السؤال الأهم هو موقف أميركا في حالة قررت إيران الرد على عمليات الجيش الأميركي.