18 يناير 2007

د. أحمد جميل عزم

لوقف تأسيس دولة شيعية في المنطقة العربية لابد من منع إقامة دولة على أساس ديني، أو بمعنى أعم منع الدول الطائفية، ولابد من إنهاء الممارسات القائمة على التمييز على أساس الطائفة، ولابد من رفض فكرة الدولة الدينية، بمجملها لأن مثل هذه الدولة دول طائفية بالنتيجة، تماماً كما أنّ الحزب الديني، هو بالنتيجة حزب طائفي.

فمنع الدولة الطائفية يتم بإقامة الدولة المدنية، القائمة على المساواة في حقوق وواجبات المواطنة، وبحيث تصبح المؤهلات والقدرات الفردية، هي المحدد في توزيع الفرص، بعيداً عن الانحياز الطائفي. بمعنى إلغاء أي أهمية للانتماء المذهبي في توزيع حقوق المواطنة، بما في ذلك استلام أعلى المناصب السياسية والإدارية، والحصول على فرص العمل والتعليم.

ومنع الدولة الدينية، والحزبين الديني والطائفي، يستتبعان ضرورة إعادة النظر في كثير من المُسلَّمات التي يتبناها كثير من الحركيين الإسلاميين، ومن المسلمين عموماً، بمختلف مذاهبهم، باعتبارها الفهم الصحيح للإسلام.

وهناك توجهان رئيسيان حالياً يقوم عليهما منع quot;الدولة الدينيةquot;، أولهما، الاتجاه الرسمي، المتمثل في مواقف بعض الحكومات التي تريد منع فكرة quot;الحزب الدينيquot;، وبعض هذه الدول والحكومات، تستهدف بالدرجة الأولى، حماية نفسها، وحماية احتكارها للسلطة، أكثر مما تهدف إلى تأسيس نظام مدني ديمقراطي لكل المواطنين. ومن هنا فالاتجاه الثاني الذي يعيد النظر في فكرة الدولة الدينية، الذي هو اتجاه صاعد من داخل الحركة الإسلامية ذاتها، ومن بين نشطاء المجتمع المدني، العلمانيين، هو الاتجاه الذي يستحق الاهتمام الأكبر. ففي أوساط الحركة الإسلامية، وتحديداً بعض أوساط الإسلاميين المستقلين، هناك تيارات جديدة تدعو لأفكار مختلفة مثل الإعلان صراحة عن السعي لدولة مدنية، وليس دينية، وعلى سبيل المثال، أشارت الدكتورة مريم صالح النائب عن حركة quot;حماسquot; في المجلس التشريعي الفلسطيني، عقب الانتخابات الفلسطينية أنه quot;لا يوجد في الإسلام دولة دينية، والمستغربون هم من يقولون بذلكquot;، ولكن الإشكالية أن مفهوم الدولة المدنية غير متبلور بعد في فكر الحركات الإسلامية ولا زال بحاجة لاتفاق وتحديد.

ومن الأمور التي يجب مراجعتها بتأنٍّ فكرة شمولية الأحزاب الإسلامية، وهناك بالفعل بعض الإسلاميين، يدعون لمثل هذه المراجعة، فمثلاً في الأردن هناك كُتّاب إسلاميون ينادون لإعادة النظر في فكرة اعتبار الجماعات الإسلامية جماعات شاملة دعوية دينية، ووعظية، وخيرية، إضافة لكونها سياسية، ويدعون لفصل السياسي عن غير السياسي، بل ويدعو البعض لأن تترك الجماعات الإسلامية لأعضائها حرية الانضمام للأحزاب، فلا تكون الجماعة حزباً سياسياً، بل يمكن لأعضائها الانتماء لأحزاب مختلفة تقوم على أساس برامج ومواقف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة ومتباينة.

كذلك لابد من مراجعة مُسلَّمة أخرى في الفكر الحركي الإسلامي، تتعلق بعدم الفصل بين دور quot;رجل الدينquot; والمؤسسة الدينية، وبين دور القيادة السياسية، استناداً لعدم وجود هذا الفصل في المراحل الإسلامية المبكرة، مع أنّ عدم الفصل كان نتاج واقع موضوعي هو أنّ القيادة السياسية آنذاك، ممثلة في الرسول عليه الصلاة والسلام، كانت هي ذاتها القيادة الدينية، ولم يكن هناك فرق بينهما، ولم يكن هناك ما يسمى برجال دين. ولكن مع الزمن، برز التخصص فهناك الآن علماء ورجال دين، وهناك قادة وناشطون سياسيون. وهذا الفصل لا يعني مصادرة حق السياسي في الاعتماد على مرجعية دينية، ولكنها مرجعية شخصية، تستند لاجتهاده وفهمه هو، وليس لتعليمات يتلقاها من مرجع ديني في بلد آخر أو في بلده، أو حزبه، متمثلة في شخص، أو لجنة إفتاء، فمثل هذه المرجعية تفقد العملية الديمقراطية القائمة على انتخاب الأشخاص معناها، ولا يصبح عضو المجلس التشريعي يملك قراره في أي قضية، بل المرجع الديني، الذي هو بدوره شخص.

إذن مراجعة الدولة المدنية من حيث الحقوق والواجبات، وإنهاء أي تمييز استناداً على أساس الدين والطائفة، ثم السماح والتشجيع على جدل عميق في الأوساط الإسلامية لفكرة الحزب الشمولي، التي هي فكرة حديثة لا يزيد عمرها على القرن الواحد، أمر ضروري للتوصل للدولة غير الطائفية.

[email protected]