خالد القشطيني

ومن غير المرأة تشغل البال في هذه الأيام، أيام الضياع؟ كان استاذنا الفاضل سامي خندة قد انضم الينا في جلسة لندنية فراح يسرف ويفضي بحكايات الحب والغرام، الجنس والنساء. استغربت من امر هذا الشيخ المحترم فسألته: عمي أبو سرمد ما كنت اعرف عنك كل هذه المغامرات! فبش وهش وضحك، وقال يا خالد وأنت صدقت كلامي؟ كله من نسج الخيال. ثم نصحني وقال، يا رجل، في هذا الزمان لا تتكلم عن شيء غير الجنس والنساء. تخوض في السياسة تتخاصم مع اصحابك. تتكلم عن الدين يكفرونك. تنتقد المسؤولين يضعونك في السجن. تحكي عن الفلوس يفتكرونك مليونيرا فيحسدونك وينمون عليك. تكلم عن الحب والمرأة فقط, فيستملح الحاضرون كلامك ويستأنسون وتخرج من الجلسة ورأسك سالم. وكلما عملوا وليمة دعوك اليها.

وكانت نصيحة عميقة تمسكت بها. لا اتكلم في البيت الا عن السياسة. ولا اتكلم خارج البيت الا عن الحب والمرأة. ولكن الغريب ان هذا الهوس الرجالي بها انتج كل هذه الثروة من السخرية عنها. كنت اراجع بعض الصفحات عما قيل عنها، واذا برجل يقول انه لم يتكلم مع زوجته منذ سنتين، لأن من سوء الأدب ان يقاطع المرء شخصا آخر.

شكوى الرجال من هذيان المرأة شكوى قديمة. في مسرحية مكبث يخبرون البطل بموت زوجته بهذه العبارة laquo;اصبح لسانها عاطلا في فمهاraquo;. فيقول: laquo;أحسن شيء في المرأةraquo;. وهكذا سأل رجل صديقه اذا سمعت الكلب ينبح امام الباب الخلفي من بيتك, وزوجتك تصرخ وتناديك من الباب الأمامي، فلأي البابين ستسرع لفتحه اولا؟ قال افتح للكلب اولا، لأنني اعرف انه حالما سيدخل سيسكت!

والمصيبة هي ان الرجال يشكون ليس من كلام المرأة المستمر فقط، وانما يرونه لغوا، وهذا ما اعرب عنه احدهم عندما سألوه، كيف تعرف ان زوجتك ستقول شيئا حكيما؟ قال اعرف ذلك عندما تقول، قال لي احد الرجال يوما..

وعلى غرار ذلك قال حكيم عندما تعرف ان امرأة فقدت تسعين في المائة من ذكائها فجأة، فاعرف ان زوجها قد طلقها.

التنكيت على هذيان النساء فصل كامل من أدب السخرية. قيل ان امرأة وضعت هذا الجواب على جهاز التلفون المجيب: laquo;عفوا السيدة سمث غير موجودة. يرجى عند سماع الإشارة تسجيل ما عندك من إشاعات ونميمات. وسترد عليها حال رجوعهاraquo;.

الشكوى من علو صوتها وزعيقها باب آخر من السخرية. شكا رجل في القاهرة ان زوجته تصرخ من الاسكندرية عندما تناديه. laquo;ما اعرفش ليه ما تستعملش التلفونraquo;. وهو الأمر الذي يجعلني ألاحظ في الاوبرا، ان الصراخ الذي يشكو منه الكثيرون في أغاني السوبرانو مرتبط بالمغنيات فقط ولا دور للرجال بمثله.