23 يناير 2007


سعد محيو


حتى الآن، لم نعرف المضامين الحقيقية لاستراتيجية الرئيس الأمريكي بوش الجديدة في العراق، عدا الجانب المتعلق بإرسال 22 ألف جندي أمريكي إضافي لمحاولة فرض الأمن في بغداد.
وحتى الآن، لاتزال صيغة تعاطي واشنطن مع طهران ودمشق في إطار هذه الخطة، أكثر غموضاً. فتارة نسمع عن خطط لمفاوضات سرية معهما بهدف تسهيل الخروج الأمريكي من المستنقع العراقي، وطوراً نرى حشوداً أمريكية بحرية ضخمة في مياه الخليج، تترافق مع تلويح باحتمال توجيه ضربات تقليدية وربما أيضاً نووية تكتيكية مدمرة لبلاد قورش والإمام الخميني.

ما هذا الذي يجري؟ هل نحن في صدد تخبط عشوائي أم تخطيط مدروس؟

ثم: إذا ما كانت إدارة بوش باتت مقتنعة حقاً بأن النصر مستحيل في حرب العراق، وأن الحل الوحيد هو بلورة استراتيجية خروج، فلماذا تعمد إذن إلى التصعيد والتسخين؟ لماذا لم تقبل بمبادرة بيكر هاملتون التي كانت ستوفر لها ملاءة إجماع ديمقراطي جمهوري شامل تدعم كل توجهاتها في العراق؟

لا يبدو أنه هناك سوى تفسير وحيد: واشنطن قررت التقدم إلى أمام لتغطية تراجعها إلى الخلف. الأمر على الأرجح أشبه بالنيران الكثيفة التي تطلقها القوات المحاصرة لتمكين أفرادها من الانسحاب، أو كسياسة المدن المحروقة التي لطالما انتهجتها الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ لمنع خصومها الصغار من ادعاء النصر عليها.

إذا ما كان هذا التحليل صحيحاً، ويبدو أنه كذلك، فما السيناريو الذي يحتمل أن نراه قريباً في بلاد الرافدين ومنطقة الخليج؟

قد يكون على النحو الآتي:

تجبر الولايات المتحدة إيران على الوقوف على رؤوس أصابعها عبر مواصلة الحشود البحرية والجوية على مرمى حجر من مدنها الرئيسية، وتسرّب في الوقت ذاته ملامح خطط الضربة العسكرية المدمرة لها.

بعد محاولات عدة فاشلة ل ldquo;تأمينrdquo; بغداد بالقوة، تعلن واشنطن أنها لم تنجح، لأن شركاءها العراقيين فشلوا في القيام بمسؤولياتهم الأمنية والسياسية.

يلي ذلك مباشرة، ربما في أوائل أو أواسط الصيف المقبل، مغادرة القوات الأمريكية للمنطقة الخضراء في بغداد، وإعادة نشرها في قواعد عسكرية بعيدة عن المدن وقريبة من حقول النفط، على أن ينقل العديد من الجنود والضباط الأمريكيين إلى منطقة كردستان العراق التي يفترض أنها آمنة بالنسبة لهم.

من مواقعها الجديدة، سيكون في وسع القوات الأمريكية الإشراف على الحرب الأهلية العراقية التي ستفلت من عقالها حينذاك، فيتحول دورها بين ليلة وضحاها من قوات غزو واحتلال إلى قوات أمن وإنقاذ وحماية للمدنيين العراقيين الفارين من جحيم الحرب الأهلية.

سيناريو خيالي؟

ليس كثيراً، لأنه يستند في كثير من بنوده إما إلى تحركات عسكرية وأمنية واستخبارية تجري الآن على الأرض، أو إلى تصريحات وبيانات أمريكية تشي بأن حظوظ هذا السيناريو من التطبيق تبدو كبيرة.

إلا بالطبع إذا ما كان في نية إدارة بوش تكرار ما فعلته إدارة جونسون في الستينات، حين حاولت تغطية فشلها في فيتنام بمد الحرب إلى كمبوديا ولاوس. حينها، سيكون هناك سيناريو آخر مختلف تماماً. سيناريو لا يود أحد، خاصة في منطقة الخليج، لا التفكير به ولا حتى تخيله، بسبب مخاطره الهائلة، وفظاعته الأكثر هولاً.