27 يناير 2007
د. عصام نعمان
ثمة مؤشرات متزايدة إلى أن عالمنا يعود تدريجيا إلى الحرب الباردة. انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينات في القرن الماضي دشّن مرحلة جديدة في علاقات القوى الدولية عنوانها انحسار الحرب الباردة وبزوغ الوحدانية القطبية ممثلة بالولايات المتحدة. مع عودة روسيا إلى الصعود، ها هو رئيسها فلاديمير بوتين يتهم أمريكا، من دون ان يسميها، ldquo;بالسعي إلى ضرب سمعة روسيا والتخويف بها وتصويرها كعدو. فمن دون وجود عدو خارجي يصعب عليهم تحقيق الانضباط داخل بلدانهم. ومن دون العدو الخارجي يصعب عليهم كذلك المحافظة على تحالفاتهم العسكرية وإرغام حلفائهم على القبول بتقديم تضحيات جسيمة لا حاجة إليها في الحقيقةrdquo;.
المفارقة اللافتة أن انحسار الحرب الباردة تمّ في عهد جورج بوش الأب في حين ان العودة إلى الحرب الباردة تتم في عهد جورج بوش الابن. فالأب دعا وقتئذٍ إلى إقامة ldquo;نظام عالمي جديدrdquo; قوامه قيادة أمريكا، بما هي القطب العالمي الأعظم والأوحد، للعالم وتخطيطها ليكون القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً بامتياز. أما الابن فقد شنّ حربا عالمية على الإرهاب ودعا، بعد أحداث 9/11/،2001 إلى اعتماد الحرب الاستباقية لسحق أعداء أمريكا المحتملين الذين يتربصون بها الدوائر.
في سياق الحرب الباردة الآخذة بالتصاعد، شن بوش الابن ضروباً من الحروب الساخنة الاستباقية. حربه الأولى كانت على أفغانستان بدعوى انها موئل منظمة ldquo;القاعدةrdquo; وقادتها واستباقاً لتحوّلها منطلقاً لكوادر إرهابية تضرب أمريكا وغيرها من دول الغرب. حربه الثانية كانت على العراق بدعوى انه مستودع أسلحة دمار شامل قد يضعها رئيسه صدام حسين في متناول ldquo;إرهابيينrdquo; في فلسطين ولبنان. حربه الثالثة كانت على لبنان بواسطة ldquo;إسرائيلrdquo; بدعوى انه بات موئلاً ومنطلقاً لمنظمة ldquo;إرهابيةrdquo; اسمها حزب الله، تتربص بrdquo;إسرائيلrdquo; كما بأمريكا. حربه الرابعة كانت على الصومال بواسطة إثيوبيا بدعوى انه تحوّل في ظل نظام ldquo;المحاكم الإسلاميةrdquo; موئلاً لمنظمات إرهابية تتولى تدريب الإرهابيين وتصديرهم إلى بلدان العالم.
في استراتيجيته الهجومية على مدى العالم كله اعتمد بوش الابن سياسة ترمي إلى تحقيق هدف أصيل وآخر بديل. الهدف الأصيل هو الهيمنة على دول منطقة الوسط الإسلامية الممتدة من ماليزيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً إلى دول القرن الإفريقي جنوباً. هذه المنطقة تتضمن مجموعة وازنة من البلدان المنتجة للنفط، كما تحتضن ما لا يقلّ عن ثلثي الاحتياط النفطي العالمي. غير ان عجز أمريكا عن الهيمنة على كل دول المنطقة النفطية، بدليل حروبها في أفغانستان والعراق ولبنان والصومال، حملها على اجتراح هدف بديل من الهيمنة هو الفوضى الخلاّقة. فحيث تفشل في الهيمنة تُبادر إلى إشاعة الفوضى بقصد منع أعدائها من السيطرة وبالتالي استثمار موارد بلدانهم من نفط وغاز وفوسفات والعائدات الضخمة الناجمة عنها في مشروعات التنمية الوطنية، أو استخدامها في تمويل حركات التحرر والمقاومة المعادية للهيمنة الأمريكية في العالم.
في اعتماده سياسة الهيمنة والفوضى الخلاّقة ألحق بوش ويُلحق الدمار والخراب ليس في البلدان التي يشنّ عليها الحرب فحسب بل في البلدان المجاورة لها أيضاً. أكثر من ذلك، يضغط بوش على هذه البلدان لتشاركه حربه على المعتدى عليهم أو لدعمه سياسيا ولوجستيا على الأقل. أليس هذا ما يريده الرئيس الامريكي من السعودية تجاه إيران، ومن سوريا تجاه العراق، ومن مصر تجاه فلسطين ومقاومتها لrdquo;إسرائيلrdquo;، ومن السعودية ومصر تجاه لبنان ومقاومته لrdquo;إسرائيلrdquo;، ومن باكستان تجاه أفغانستان، ومن تركيا تجاه إيران وسوريا؟
يبدو ان قادة الدول العربية والإسلامية بدأوا بالاستفاقة من سحر ldquo;الصداقةrdquo; الأمريكية وإغراءاتها الشريرة ودعاويها الباطلة وذلك بالتركيز على المصالح الوطنية لبلدانهم وجعلها معياراً لجدوى أو عدم جدوى تحالفها مع أمريكا أو الانزلاق إلى حروبها ضد أطراف عربية وإسلامية. فالملك عبدالله بن عبدالعزيز دعا وفداً يمثل حزب الله وأكد له وقوف المملكة على مسافة متساوية من الأطراف اللبنانية المتصارعة. والسفير السعودي لدى أمريكا الأمير تركي الفيصل أعلن مؤخراً ان الرياض لن تنحاز إلى احد في الصراع الدائر في العراق، وان بلاده تقف على مسافة واحدة من كل الفئات العراقية. وفيما يتنقل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بين الرياض ودمشق لإزالة الجفوة وإعادة الحرارة إلى العلاقات بين البلدين، يقصد مستشار العاهل السعودي للأمن القومي الأمير بندر بن سلطان طهران للتنسيق بين العاصمتين في شأن سياساتها تجاه سوريا ولبنان والعراق وفلسطين.
من الصعب تقدير مدى جدية المواقف والمبادرات المشار إليها آنفا في هذه الآونة. لكن مجرد اتخاذها ومباشرتها تبعث على الارتياح، مع التأكيد على ضرورة متابعتها وإنجاحها. ذلك ان سياسة بوش تتعثر في كل مكان تقريباً بدليل مبادرة خمس شيوخ جمهوريين في الكونجرس الأمريكي إلى الانضمام إلى أقرانهم الديمقراطيين في انتقاد الرئيس الأمريكي وتحميله مسؤولية سياسته الخرقاء في العراق. فهل يجوز ان يتجاهل القادة العرب والمسلمون هذه الحقيقة ويثابروا على السير في ركاب بوش الفاشل أو دعمه في مواقفه المعادية لحقوق العرب والمسلمين ولمصالحهم الوطنية؟
ليس من المغالاة في شيء دعوة قادة مصر والسعودية وسوريا إلى التعجيل في المساعي الرامية إلى تحييد الدول العربية وإبعادها عن أخطار الحرب الباردة التي عادت تطل برأسها من جديد، وإلى تنقية العلاقات بين الدول العربية والدول الإسلامية المجاورة، لاسيما إيران وتركيا، وإلى دعوتها للتفاهم على قواعد راسخة للتعاون المتبادل فيما بينها، فلا تكون بيادق صماء بين أصابع الدول الكبرى، أو أدوات طيعة لخدمة أغراضها المعادية لحقوق العرب والمسلمين ومصالحهم ومطامحهم.
هل كثير عليهم ان يضاعفوا الجهود، بإرادة طيبة ومصممة، للتوصل إلى نتائج محسوسة؟ وهل كثير علينا ان نتوقع تبلور هذه الجهود والنتائج وترجمتها إلى سياسات جديدة فاعلة في قمة الرياض القادمة؟
التعليقات