27 يناير 2007

بول شاوول

ما كان أضعفهم جماعة 8 آذار quot;التصحيحيةquot;. لم أشعر أنهم على هذا القدر من الضعف والهلهلة والارتباك بمثل ما شعرت في ذلك الثلاثاء الأسود وكذلك الأربعاء الأحمر عندما تحوّلوا من quot;المواجهةquot; وquot;الممانعةquot; مخرّبين، وقُطّاع طرق، شغوفين بالتدمير، والتقطيع، والتشويه، والكراهية، والعنف، والجنون والعبث واللامعقول والافتتان بالعدمية!
ما كان أضعفهم! وكم كانوا على هشاشة عندما حاولوا تغطية quot;ضعفهمquot; هذا، بالارتداد على الناس. بالاعتداء على الناس. بالتهويل على الناس. بترويع المجتمع. بشل قدراته حتى على التعبير الحر... كم أظهروا أنهم محاصرون عندما حاصروا المناطق. وكم أظهروا أنهم quot;منقطعونquot; وquot;معزولونquot; عندما قطعوا الطرق بالاسمنت والتراب والحديد والمستوعبات، وكم بدوا quot;محترقينquot; بعزلاتهم عندما راحوا يخفون quot;احتراقهمquot; وراء دخان حرائق الدواليب والخشب... كانوا أشباحاً! ويا لرثائهم! كانوا أشباه أشباح يقفزون بكل هذياناتهم العتيقة، فيا لشقائهم!
قالوا إنهم أقوياء. قلنا: قال! إنهم أقوياء. ثم صدحوا هنا وهتفوا سنضرب بشكل سلمي. حضاري. ديموقراطي. وليعدوا الناس بعدم الاعتداء عليهم وعلى مَنْ لا يريدون إضرابهم! قلنا: عال! إنهم فعلاً ديموقراطيون ربيبو الأجهزة والمخابرات! قلنا: عال! لِمَ لا! لربما تداركوا وصاروا ما يجب أن يصيروه في بلد استعاد ديموقراطيته، وحضاريته وحريته! قلنا: عال! وقالوا إنهم يحبون لبنان! فقلنا عال! وماذا يريد أي لبناني سوى أن يحب اللبنانيون لبنان! وقالوا إننا ملتزمون إرادة الشعب اللبناني. فهلّلنا لهم وصفّقنا لحناجرهم المدوية بين الضواحي والبراري وفوق الشجر. ثم قالوا: سنتحرّك سلمياً من أجل حكومة وحدة وطنية. فقلنا، ومَنْ يسعه ألا يكون مع حكومة وحدة وطنية. ثم تداركوا وقالوا عن أكثرية الشعب اللبناني الذي من المفترض أنه يشكل الحيز الأكبر من الوحدة الوطنية إنها خائنة بتخوين رموزها، وإنها تخدم المخططات الاسرائيلية، والامبريالية، وقوى الاستكبار العالمية، فقلنا: والله! الحق معهم! فالقديسون والأطهار والنظيفون والأولياء أمثالهم من المستحيل أن يقاربوا الفاسدين والخَوَنة والكفّار أمثالنا...! ثم قالوا ما عدنا نريد حكومة وحدة وطنية بل انتخابات نيابية مبكرة. فقلنا ها هم بشائر الديموقراطية يبكرون في الانتخابات بعد أقل من سنتين على إجرائها! فالطَهَرَة (كالملائكة) يقفزون قفزاً فوق quot;اللازمانquot; وquot;اللامكانquot;، ثم قالوا وباسم النصر المبين الذي حققناه وباعتراف اسرائيل نفسها نريد حصتنا ومكافأتنا على ما أنجزناه وحدنا! والسنيورة هو الذي استدعى اسرائيل. وهو استجلب العدوان وشجع العدو على عدوانه. ونحن لم نبادئ ولم نبادر. بل العدو قد بادر بتحريض من 14 آذار. وتذكرنا أن إعلامهم quot;قال بعد خطف الجنديين إنهم يملكون معطيات بأن الرد الاسرائيلي لن يكون quot;قوياًquot; (الأنبياء يتكهنون جيّداً)، وأن هدف الخطف (من داخل الخط الأزرق) التفاوض حول بعض الأسرى اللبنانيين في اسرائيل وخُصَّ بالذكر سمير القنطار! (لم يتفوّه إعلامهم ولا مرة بكلام حول السجناء اللبنانيين في السجون السورية. ملتزم إيمانه حتى آخر قطرة من الصدق). ثم قال: إنه تمَّ خطف الجنديين الاسرائيليين لقطع الطريق عن حرب صهيونية على لبنان! ثم قيل: خطف الجنديين وما أعقبه هو لمواجهة الشرق الأوسط الجديد. ثم قال السيد نصرالله لو كان يعرف أن النتائج ستكون بهذا الحجم لما أقدم على حربه! المهم أن بعد كل هذه التصريحات اتُّهِمت قوى 14 آذار باستدراج العدو، وحملت مسؤولية الدمار والخراب والتهجير والضحايا والشهداء، فأنت أيها القارئ: يمكن أن تختار ما شئت من هذه الروايات وتتبناها... لأن روايات أخرى ستطلع من منطق هؤلاء التبريري وغداً وبعد غد...
قلنا برغم كل هذا عال! فلْنَرَ. لكن بدلاً من شكر اللبنانيين على احتضان quot;حربهمquot; المرتجلة وبدلاً من التقدّم الى quot;الآخرquot; الذي سانده معنوياً ومادياً في مغامرته... ها هم جماعة 8 آذار يرتدون على اللبنانيين عقوقاً ولا أعق. وجحوداً ولا أجحد! ويرتدون على لبنان! فاسرائيل بعد quot;النصر الالهيquot; صارت بعيدة! وعلى المؤمنين بالدنيا وبالآخرة وحَمَلَة مفاتيح الجنة، وإقفال السموات والقبوات والجنات، أن يستبدلوا quot;عدواًquot; بعدو (إذ لا بد من وجود عدو دائم لكي يستقيم وجودهم ويتوازن!) والعدو الجديد الطازج الذي استبدلوه باسرائيل والاسرائيليين هو لبنان... واللبنانيون! فتدمير لبنان يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية مدروسة. تدميره اقتصادياً. اجتماعياً. بشراً. دولة. كياناً. أمناً ومؤسسات وتقاليد ووحدة وأعرافاً... وقالوا فلنبدأ بالاعتصام في قلب بيروت: الشريان الاقتصادي للبنان ونقطّعه! عسكروا هناك. وجاء النزلاء من كل أوْب وصوب فندق مجاني مع وجبات يومية ساخنة! عال! فلنعطل أعمال الناس ونُخرّب مصالحهم. فعطّلوا أعمال الناس وخرّبوا مصالحهم! ثم قالوا فلنتبع سياسة إعلامية غوبلزية ونشن حرباً نفسية على هؤلاء اللبنانيين الذين صاروا quot;أوادمquot;. إذاً فلنرعب الأوادم! والأوادم quot;يخافونquot; بسرعة! ويهربون بسرعة. ويتركون الساحة لزعراننا من المناضلين السابقين والمرتزقة القادمين! فلنهوّل عليهم! فلنهددهم بحروب أهلية! وبالدمار! وبالخراب... وعندها ينسحبون وتنسحب معهم quot;حكومتهمquot;.
لكن quot;الأوادمquot; فاجأوهم وصمدوا. وبدلاً من أن يحاصرهم quot;قبضاياتquot; الوصايتين في رياض الصلح، حاصرهم (الأوادم) في كل لبنان. نزل quot;الأوادمquot; في كل جهات لبنان، ليقولوا لا! لهؤلاء! ليقولوا نعم للحرية! والديموقراطية. والسيادة. والمحكمة. ليقولوا نعم للحكومة التي انتخبوا والتي تعبّر عن الأكثرية. quot;حوصرquot; الوصائيون بدلاً من أن يحاصِروا... ثم استنقعوا في اعتصامهم. واستنعقوا في نعيقهم! ثم أعلنوا فشلهم! وقالوا: سَنُصَعّد وسترون! هذه المرة! رح نفرجيكم يللي ما شفتوه بحياتكم... (قالها وزير البينغو) سَنُصَعِّد وسنريكم أيها اللبنانيون ماذا سنفعل بكم، ستترحمون على اسرائيل! وعلى زمن الميليشيات! وصَعَّدوا! الثلاثاء الماضي! تصعيداً ديموقراطياً. نظيفاً. طهوراً. quot;غير آدميquot;. ملائكياً! صَعَّدوا بتوقيت باريس لإفشال باريس 3. ذلك لأنهم، ومن خلال استراتيجية تدمير لبنان، سيعرقلون أي مساعدة له. (يقبلون أن تساعدهم إيران بلا شروط ولا ريبة بالمليارات ويشككون في مساعدة العالم للبنان: إيران مقابل العرب والعالم. فيا للاخلاص والوفاء لمن أنشأ المقاومة وعززها وموّلها ووجهها...!)، خطط 8 آذار بالتنسيق مع فلول جالية الوصاية السابقة، ليكون الثلاثاء في 23 كانون الثاني يوم التحوّل. والتغيير. والانقلاب. والسيطرة على السلطة، والأرض، والجغرافيا... والحكم! خطة انقلابية استندت، في حساباتها الخاطئة (كما في حسابات حرب تموز) إلى أن quot;الأوادمquot; سيتفرجون على إنجاز التخريب ومحاولة الانقلاب من وراء زجاج نوافذ بيوتهم!، ولن يتجرّأ واحد منهم على عصيان أمر الدعوة الى الاضراب، بعد الحملة التهويلية، الارهابية، والتهديدية التي أطلقها رؤوس 8 آذار من الجنرالات والمخابرات ومحترفي الأزقة والبينغو وكوبونات صدام ولصوص بنك المدينة، والكازينو، قالوا مَنْ يفتح دكانه سنفتح رأسه وربما قبره! ومَنْ يحرّك سيارته سنكسرها على جمجمته، ونحرقه بها. ومَنْ سيذهب الى مدرسته سنلقنه دروساً في quot;الايمانquot; والمواظبة بالعصا! وها هي الدواليب جاهزة جمعناها من كل لبنان، بأيدٍ نظيفة... طهور! وسنحرقها في عرض الطرقات... نحرقها لنَتطهّر بحريقها، نحرقها لتقطع الأوصال. وتمنع بالقوة السلمية والوحشية الديموقراطية أياً كان من الوصول الى أي كان. والعصا لمن عصى! والسكين لمن مانع! والمسدس على رأس مَنْ يخالف! وهكذا، تكون بيروت محاصَرَة، (مستفيدين من التجربة الشارونية ومن العدوان الأولمرتي...)، والأمكنة، منفصلة وصولاً الى الشمال، والبقاع، والمتن، وكسروان! فلتُقطع كل طرق لبنان! فأضربوا واعتدوا حتى على الذين امتثلوا على مضض ليكونوا درساً لسواهم! quot;أهينوا الناس أياً كانت مرتبتهمquot; (كاهناً أو كاتباً أو عاملاً أو صحافياً... أو شيخاً معمماً) ليفقدوا ثقتهم بأنفسهم! إملأوا الفضاءات والهواء بدخان الحرائق فيعمى المبصرون، ويُبصر العميان! إذاً خطة انقلابية مستفيدة من الخطة الصهيونية التي قامت على عناصر حصار بيروت، تعطيل المرافئ والمرافق، ضرب الجسور. قطع الطرق، ترويع الناس... الخطة الصهيونية تبناها تلامذة الأنظمة الانقلابية النّجباء في لبنان، وكأن البيان الأول الانقلابي كان جاهزاً مكتوباً بحبر الوصايتين ومُذيَّلاً بتواقيع الأذيال السود! لكن، ماذا ترانا نفعل سوى أن نعتذر إلى هؤلاء. فالواقع دحض خططهم، وكذَّب حقائقهم. ذلك أن quot;الأوادمquot; انتفضوا أيضاً ليدافعوا عن حريتهم. وديموقراطيتهم. ولبنانهم! نزل الأوادم الى الشوارع ليفتحوا الطرق التي أغلقها قطاع الطرق. نزل الأوادم الى الشوارع ليحرروا الشوارع من الفاشيين. نزلوا الى الشوارع ليصوبوا دور الشارع. فهذا الشارع الذي حررته 14 آذار بعدما كان محرّماً النزول إليه والتظاهر فيه (إلا لعملاء الوصاية)، لا يمكن أن تتركه لمن يريد تشويهه، وإلغاءه، وتعطيله كمكان آمن للتعبير عن الديموقراطية المباشرة. تحرر الشارع وانكفأوا الى جحورهم! وانتصرت الحياة على ثقافة الموت! كان الثلاثاء مقدمة من مقدمات تحويل الأنظار عن باريس3، والتأثير على المشاركين في مساعدة لبنان لكي لا يساعدوه! لكي يتهاوى لبنان مفلساً، معدماً، أعزل، ضعيفاً، مهمشاً، فتستفرده قوى الوصايتين، وتستفرسه بمالها وسلاحها... وحروبها الأهلية التي تسهل في الأزمات الاقتصادية! لكن باريس 3 نجح نجاحاً منقطع النظير! لم ينفع دخان حرائقهم في إخفاء تعاطف المجتمع الدولي والعربي مع لبنان كدور طليعي. ولم تنفع دواليبهم في وقف عجلة الزمن لينقطع لبنان أمام باريس3. جُنّ جنونهم! وكان عليهم أن يواكبوا بياض مؤتمر باريس بيوم آخر أسود على قانٍ. وكانت أحداث الخميس. وكانت حروب افتعلتها قوى 8 آذار، ومخابرات الوصاية الرستمية، لتوجيه رسالة أن لبنان لن يفلت منا، مهما ساعدتموه! سنبقيه شلواً بين أنيابنا! ورهينة بين سلاحنا وإرهابنا! رسالة موجهة الى الداخل اللبناني لترهيبه عبر الغزوات التي شنّت على بعض أحياء بيروت لإثارة الفتنة وفتح احتمالات الحروب على مصاريعها! حرب شوارع في بيروت. استبدلوا الدواليب بالرصاص. والحرائق بالقنص! وقطع الطرق بقطع الأحياء والأزقة الداخلية في فوضى خلاقة لا يتقن صنعها سوى ربيبي مصانع مخابرات الوصايتين. ولكن ماذا نفعل بحظوظهم العاثرة. فقد وقف العالم كله متهيباً! وقف كله إجلالاً للبنانيين الذين باتوا المقاومين الحقيقيين لأعداء الديموقراطية والتنوير والحرية... والحياة والأرض والكيان والوحدة الوطنية! وقف العالم كله داعماً للشرعية المتمثلة بحكومة السنيورة.
هل نكون من جديد على مفترقات مجهولة؟ ربما نعم وربما لا! ولكن نظن أن حجم المسؤولية الضخم في تحمل الأوزار التي قد تنشأ عن هذه الاحتمالات الخطرة، تضع الجميع، بمن فيهم قوى 8 آذار، أمام الحقائق الأساسية: إن خراب لبنان هذه المرة سيكون أكبر خدمة لاسرائيل أولاً، وخدمة لمن يريد تدمير لبنان من quot;أهليناquot; العرب، وغير العرب، ولن يكون في هذا الخراب إذا حصل ضمان لأن يحقق أهل النصر المبين أي نصر جديد. بل ستنقلب عليهم الأمور انقلابها على سواهم، وسيحصدون (كما سنحصد جميعاً) الخيبة والموت والنهايات المأسوية.
فهل يرعوي أهل الارعواء. وهل يعودون ولو للحظة الى ضمائرهم! والى انتماءاتهم الأساسية والى انتسابهم الى هذه الأرض والوطن والشعب، فيكفوا شرور الآخرين عنا، ويتمردوا، ولو مرة واحدة، على مخططات خراب أهلهم وبلدهم! هل يعودون الى رشدهم؟ هل يعودون الى قبول الحوار مع ناسهم، ولبنانهم، بدلاً من أن يلجأوا الى اغتيال هذا البلد، وتقطيعه، وتمزيقه، وإفقاره، وضرب دولته، وكيانه ووحدته وازدهاره واقتصاده!
هل يقولون: انتهى دور الشارع بفتنته، ومجهوله، وعنفه، ولا معقوليته، وعدميته، فليبدأ دور الكلام المباح. الكلام العقلاني، ضمن مؤسسات الدولة، وهيئاتها الدستورية والوطنية!
هل يقولون: لا للفتنة المذهبية والطائفية! ولا لمفتعلي إشعالها. هل يقولون لمن يستشرسون لإيقاظ حرب أهلية، أياً كانوا: هذا خط أحمر! لأنه يمس كياننا ودورنا وبلدنا وشعبنا!
هل يقولون: فلنعد الى الحوار والشرعية ومجلس النواب، حيث الأمكنة الضرورية للقاء بعيداً عن العنف، والمناحي الانقلابية!
هل يقولون لحلفائهم في الخارج: أتركونا نحل مشاكلنا مع شركائنا بحرية، من أجلنا ومن أجل شركائنا، ومن أجل السلم الأهلي... ومن أجل لبنان!
فحبذا! فحبذا!