روبرت كورنويل - الاندبندنت

طوال 60 عاماً، جرى رصد مدى القرب الذي وصل إليه العالم من حدوث كارثة نووية. واليوم، سيرفع العلماء أيديهم حتى نرى أننا بتنا نواجه أكبر مستوى من الخطر النووي في كامل السنوات العشرين المنصرمة.

تشي خمس سنوات مليئة بالعناوين الدولية بتنامي انتشار الفوضى في الشرق الاوسط واستشراء الارهاب الدولي في العواصم الغربية، فيما تسعى المزيد من البلدان الى الحصول على بوليصة التأمين الاخيرة الخاصة بالأمن القومي. والان، باتت مسائل تغير المناخ وانعدام امن النفط تدفع بالدول الى البحث مجدداً عن الطاقة النووية، وهو ما يجلب معه مخاطر جديدة يشكلها الانتشار النووي في اجزاء ملتهبة من الكرة الارضية.

واليوم فإن ساعة quot;يوم القيامةquot; التي كانت قد تحدثت عنها نشرة العلماء الغربيين ومقرها واشنطن عام 1947 مع بزوغ فجر العصر النووي، ستضفي الصبغة الرسمية على ما يشعر به أكثر المواطنين وعياً، والذين يدركون في أعماقهم ان العالم قد بات أكثر قرباً من حافة يوم قيامة نووي اكثر من اي وقت آخر منذ اللحظات الأكثر خطورة في سياق الحرب الباردة في اوائل ثمانينيات القرن الماضي.

عند الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر، ستقع حوادث متزامنة في كل من لندن وواشنطن، والتي ستتحرك معها الساعة الرمزية قدماً من وضعها الراهن، مؤشرة على سبع دقائق قبل انتصاف الليل حيث توقفت منذ عام 2002. والاسباب الكامنة وراء تقدم الزمن عما كان عليه خمس سنوات هي الجمود الذي حل بمعاهدة السيطرة على تكديس الاسلحة النووية، وخطر إرهابي أفضى إلى إقلاق هدأة الشعور بالراحة بفعل أحداث الحادي عشر من أيلول.

ومع بداية عام 2007، أصبحت الصورة اكثر قتامة، ليس من ناحية هذين الأمرين وحسب، وإنما لأن الخطر النووي قد اكتسب بعداً مضافاً عصياً على التقدير بسبب الاحتباس الحراري، وهو ما دفع نشرة العلماء النوويين الى التحذير من نجوم quot;عصر نووي ثانquot;. ولا يمكن للمخاطر المحدقة ان تكون اكثر وضوحاً مما هي الآن، لكن المشكلة هي من أين نبدأ. ماذا عن سعي ايران للحصول على اسلحة نووية، والمحاذير التي لا تكاد تكون خافية من القوة النووية المفترضة، وغير المعلنة مع ذلك لإسرائيل، والتي ربما تضرب اولاً للتخلص مما تراه تهديداً قائماً وجودياً شبيها بالمحرقة اليهودية؟

وماذا عن التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية في السنة الماضية، وهي العضو في قائمة quot;محور الشرquot; التي وضعها جورج بوش، والتي ربما دفعت بالجارتين كوريا الجنوبية واليابان الى تأمين الحماية لنفسيهما عن طريق الحصول على اسلحة نووية خاصة بهما؟ وماذا عن الترسانة النووية في الباكستان المضطربة، حيث قام المتطرفون الاسلاميون بعدة محاولات اغتيال استهدفت الرئيس برفيز مشرف؟

او، ماذا بشأن ما قد يشكل أعظم المخاطر من بين هذه جميعاً- وهو أن تنظيم القاعدة ما دام قد استطاع تنفيذ عمل إرهاب تقليدي على مستوى غير مسبوق ضد مدينة نيويورك يوم الحادي عشر من ايلول - سبتمبر 2001، ربما يضع يده هو أو أي تنظيم آخر مشابه على سلاح نووي جاهز او صنع واحداً بنفسه ثم عمد إلى استخدامه؟

ولم لا؟ فثمة شكوك ضخمة تحيط بقدرة روسيا على تأمين موادها النووية التي يعود العديد منها الى الحقبة السوفياتية، والتمكن من منع علمائها النوويين من بيع مهاراتهم لمن يدفع أعلى سعر. ولو استطاعت جماعة ارهابية تفجير حتى قنبلة قذرة فجة (وتزعم الولايات المتحدة بأنها قطعت الطريق على مؤامرات من هذا النوع) فإن المحظور الذي طالما منع الدول من استخدام الاسلحة النووية منذ عام 1945 ربما ينكسر.

في هذا العصر النووي الجديد، فإن عقيدة الردع القائمة على مبدأ quot;الدمار المتبادل المؤكدquot;، والذي أبقى على استمرارية الحرب باردة، لن يكون قابلاً للتطبيق. إذ ربما تمتلك الولايات المتحدة وروسيا 2000 سلاح نووي جاهز للإطلاق بينهما، لكن هذه الاسلحة لن تكون أكثر صلاحية للاستخدام ضد مجموعة إرهابية غير متبلورة اكثر من إمكانية استخدام ترسانة اسرائيل النووية ضد الفلسطينيين. وحتى مع ذلك، فإن عتبة ما سيكون قد تم ولوجها، بحيث يمكن تصور اشتعال حرب نووية اقليمية، بل وحتى حرب عالمية.

في عام 1947، كانت ساعة quot;يوم القيامةquot; قد ضبطت بداية لتؤشر على سبع دقائق قبل منتصف الليل، بالضبط حيث أوقفت منذ ذلك الوقت في عام 2002. وحسب اعتقاد النشرة المذكورة، فقد كانت أقرب مسافة وقف عندها الكوكب من يوم القيامة حتى الآن كانت في عام 1953، عندما تقدم عقرب الساعة الى دقيقتين قبل منتصف الليل في اعقاب تجربتين اجرتهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على قنابل هيدروجينية خلال فترة تسعة اشهر فصلت الواحدة عن الأخرى.

بعد ذلك، تعقبت الساعة فترات البرد المجمد والدفء التي وسمت الحرب الباردة، ثم الوصول المتتالي لكل من بريطانيا وفرنسا والصين والهند والباكستان الى قوى نووية معترف بها. ووصل العقرب الى اكثر نقطة quot;آمنةquot; له: 17 دقيقة من quot;يوم القيامةquot; في عام 1991 عندما وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي كان آيلاً إلى زوال قريب معاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية (ستارت)، ثم اندلعت حرب الخليج في تلك السنة، وتم إخراج قوات صدام حسين من الكويت فيما بدا تبشيراً بحقبة تستطيع فيها القوى الكبرى العمل سوية تحت اشراف الامم المتحدة. لكن غزو العراق في عام 2003 بدد أي أوهام من هذا القبيل. وذات مرة، كانت هناك خمس قوى نووية مؤكدة، والان ثمة تسع.

تقول النشرة ان الاحتباس الحراري يزيد من المخاطر بشكل غير مباشر. اذ ان الطاقة النووية السلمية التي تنتج انبعاث غازات الدفيئات قد عادت، فيما سيتم بناء مئات المفاعلات النووية الجديدة. ومع ذلك، يظل اليورانيوم المخصب الذي يشغل هذه المفاعلات كما والبلوتونيوم يعتبران المادتين الحيويتين الضروريتين لإنتاج الاسلحة النووية.

في هذا العصر النووي الثاني، سيكون المزيد من هذه السلع القاتلة قد أصبح في المتناول. وثمة القليلون ممن يستغربون أن يصل عقرب quot;ساعة يوم القيامةquot; إلى منتصف الليل. لكن السؤال الوحيد يبقى: كم سيكون ذلك قريباً؟