ساطع نور الدين

الشرط الذي وضعه الرئيس السوري بشار الاسد لحضور بلاده المؤتمر الدولي للسلام الاسرائيلي ـ الفلسطيني، الذي دعا اليه الرئيس جورج بوش الشهر المقبل في مدينة انابوليس الاميركية، يستند الى موقف منطقي جدا، لكنه يمثل مغامرة خطرة في وضع سوريا وعلاقاتها الخارجية مع العالم كله، لأنه يعادل قرارا ذاتيا بتشديد العزلة التي كان سلوك دمشق سببها الابرز.
من دون إدراج قضية الجولان السوري المحتل على جدول اعمال المؤتمر لا مبرر للمشاركة السورية في اجتماعات خُصصت حصريا لمناقشة الشأن الفلسطيني: الاشتراط بحد ذاته ينم عن قدر من التحدي السوري للارادة الاميركية، التي يبدو انها تتراءى لدمشق في موقع ضعف او فشل او حتى هزيمة، بحسب ما يُروَّج في بعض الخطاب العربي والاسلامي الذي يعتبر ان اميركا فشلت في السيطرة على العراق، وينسى نجاحها الباهر في تدمير العراق، وفي توقها الشديد الى خوض تجارب مشابهة في دول اخرى مجاورة تستكمل تجربتها اللبنانية المروعة في صيف العام الماضي..
الأرجح هو ان الموقف السوري الحالي يستعيد بشكل حرفي الموقف المتردد الذي اتخذه الرئيس الراحل حافظ الاسد عندما تلقى الدعوة الى مؤتمر مدريد للسلام في العام ,1991 وتمكن بنتيجته من الحصول على ورقة الضمانات الاميركية الشهيرة قبل ارسال وفده الى العاصمة الاسبانية ثم الى المدن الاميركية التي استضافت جولات التفاوض الثنائي بين سوريا واسرائيل حتى العام .2000
لكن يبدو ان القيادة السورية لا تأخذ في الاعتبار الفارق الجوهري بين ظروف انعقاد مؤتمر مدريد الذي كان بمثابة مكافأة للدول العربية التي شاركت اميركا في الحرب الاولى على العراق، وترضية للرأي العام العربي والاسلامي الذي شهد الحملة العسكرية الاميركية الاولى من نوعها في العالم العربي، وبين ظروف انعقاد مؤتمر انابوليس الذي يأتي استجابة لنداءات عربية بالمساعدة في مواجهة المأزق الداخلي الفلسطيني.. بقدر ما يبدو جزءا من حملة العلاقات العامة الاميركية في العالمين العربي والاسلامي.
في مدريد كان القرار الاميركي من اللحظة الاولى السعي الى تسوية عربية اسرائيلية شاملة، مهما بدا مثل هذا القرار وهميا او خياليا. أما اليوم فإن الاميركيين تعمدوا حصر مؤتمر انابوليس بالعنوان الفلسطيني وحده دون سواه، ليس فقط لأنه اولوية جذابة للعرب والمسلمين في مختلف انحاء العالم، بل ايضا لانهم لا يشعرون بالحاجة الى مكافأة سوريا على سلوكها المشاغب في العراق وفلسطين ولبنان طبعا طوال السنوات الاربع الماضية.
وبهذا المعنى، لم تكن الدعوة الاميركية لسوريا الى حضور المؤتمر تقديرا لهذا السلوك، او كما يقال في واشنطن هذه الايام، تلبية لطلب عدد من الدول العربية، بقدر ما كانت اختبارا لمدى استعداد دمشق للتغيير، ونافذة صغيرة تُفتح امامها، وتضعها في موقع حرج بين مسؤوليتها عن المساهمة في الحل الفلسطيني وحاجتها الى مناقشة الحلول الخاصة بها.
الدعوة الاميركية لم تصل بعد. ولعل الشرط السوري هو بداية الكلام.