رشيد الخيون

بدت قضية وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم، وصحبه الضباط المسلكيين مَنْ حُكِم ومَنْ ينتظر، قضية خلاف بين الكيانات: التوافق السُنَّي والتحالف الكوردي ضد الإعدام، بينما يتحمس الائتلاف الشيعي لتنفيذه. وبطبيعة الحال، ما سيتحقق هو ما يجنح الأمريكان له. وسلطان هاشم ضابط متمرس، ليس للحزبية فضل في رتبته، اشترك في الحرب العراقية الإيرانية قائداً. وربما يفهم موقف القوى الدينية، يوم كانت لها تنظيمات تُقاتل مع الجيش الإيراني، أنها بمواجهة عدو، وهذا ما يثار حول الاغتيالات التي طالت الطيارين المشاركين في الحرب. ولا يخفى أن صدام حسين (أعدم 2006) كان مسؤولاً عن اندلاع تلك الحرب، إلا أن روح الله الخميني (ت 1989) كان مسؤولاً عن استمرارها. وقال عند وضع أوزارها: laquo;تجرعت كأس السمraquo;! بمعنى أن لحوادث الحروب مسؤوليات مشتركة، وكل جهة تركز على مثالب خصمها. أقول: إذا ما سقط النظام الإيراني كم عِمامة ستقف في قفص الاتهام، بما فيها عِمامة الخميني! ولو فحصت حوادث انتفاضة (1991) بالعراق هل ستبرأ القوى المنتفضة من اقتراف جرائم؟! صحيح أنها كانت ضد نظام عاتٍ، لكن العرف القانوني لا يبرر شنق شاعر وسل لسانه في حائر مقدس، أو قتل سجناء.

من باب التذاكر لا التحاكم: هل كان تفجير الجامعة المستنصرية، في أوائل الثمانينيات، عملاً محموداً، أخطأ طارق عزيز وقتل الطلبة، وهو الذي تبارت التنظيمات الدينية في نسبته إليها، وأسفر عن قتل طلبة، ثم الكرة على المشيعين؟ أليس من حق ذوي القتلى إقامة دعاوى ضد تلك الأحزاب؟ أو ألم يُحتسب مثل هذا العمل عملاً إرهابياً؟ وهل اختلف تفجير أنابيب نفط كركوك، حسب اعتراف مَنْ هو الآن على رأس السلطة بتنفيذها، عن تفجيرات النفط في الوقت الحالي؟ أُذكر بتلك الممارسات تنبيهاً من لغط تبادل المواقع، وحكمة: laquo;مَنْ كان بلا خطيئة ... raquo; تغني عن المقال. إن الأمر الأهم، والفاصل، الذي من المفروض أن تلتفت إليه الكيانات الحاكمة هو الاحتفاظ بإنجاز سقوط نظام القسوة، والتفكير بإعمار وطن منهك عبر تغاضٍ حقيقي، يرتقي إلى تغاضي ضحايا النظام العنصري بجنوب أفريقيا، عندما أخذ التسامح يبث إلى الجمهور لمساعدة أبناء المبادين جماعياً، كي يتجاوزوا حقهم الشخصي والعام المشروع إلى ما هو أرحب وأعم بالفائدة. شاهدت فلماً يروي قصة مسؤول متنفذ سبق أن اغتصبت أمامه زوجته، وأبيدت عائلته، ومع ذلك ترك خصومه لشأنهم. قال: laquo;نؤسس لعصر خالٍ من الكراهيةraquo;! هذا، وسيطول الحديث عن تجربة أوروبا الشرقية في التغاضي عقب سقوط أنظمتها السابقة. وربما سبقت تجربة عبد الملك بن مروان (ت 86هـ) العديد من التجارب، وعلى أساسها استقرت أحوال دولته. روى كاتب ابن الزبير (قُتل 72هـ): laquo;دعاني عبد الملك بعدما قَتل مصعباً، فقال لي: علمت أنه لم يبق من أصحاب مصعب وخاصته أحد إلا كتب إليَّ يطلب الأمان والجوائز والصلات والإقطاعات؟ قلت: قد علمت يا أمير المؤمنين! أنه لم يبق من أصحابك أحد إلا وقد كتب إلى مصعب بمثل ذلك، وهذه كتبهم عندي! قال: فجئني بها! فجئته بإضبارة عظيمة، فلما رآها قال: ما حاجتي أن أنظر فيها، فأفسد قلوبهم عليَّ! ياغلام! احرقها بالنار، فأحرقتraquo; (تاريخ اليعقوبي). لقد حصل مثل هذا التخالط في ظروف العراق الحالية، وربما المصرون على انتكاسة تطبيع الأحوال هم أنفسهم كانوا أهل صلات وعوائد، والأمر قد لا يتعدى استبدال غطاء الرأس!

لا أدعو إلى التغاضي، عن قتل سلطان هاشم صبراً، من باب أنه نفذ أوامر، وقد أُعدم المسؤول الأول! بل العض بالنواجذ على تأسيس عصر جديد، لا تتعامل الكيانات فيه على أنها حكومة انقلاب، هدفها محصور بأخذ الثأر. بل عليها أخذ المبادرة لجعل إعادة النظر في قضية العسكريين لنفسها لا بتوجيه يملى عليها! فرئيس الوزراء بعد تلقي الإشارة الأمريكية برفض التنفيذ، حاول تقديم الأمر على أنه نزول لرغبة المرجعية الدينية، حيث صرح بالبحث عن مخرج للأزمة حال لقاء بآية الله علي السيستاني. وتراه أظهر نفسه، بتصرفه هذا، أنه ما زال وفياً لولاية الفقيه، الذي نظن أن السيستاني وأستاذه أبا القاسم الخوئي (ت 1992) لا يقرانها. وبهذا التصرف! كيف يريد للقوى التي يدعوها للمصالحة أن تثق به رئيساً لوزارة العراق لا نائباً للفقيه!

ختاماً، لا أجد مفراً من التغاضي، وليبدأ بسلطان هاشم وضباطه. بل أكثر من هذا يُرجى الاستفادة من حرفيتهم!