مركز المعلومات - ندى جرار
* إن سير العمليات الحربية في العراق يتصف بدرجة من عدم اليقين تجعل من غير الممكن لأي جانب توقع موعد بداية إعادة إعمار جدية للاقتصاد على وجه العموم، وللقطاع النفطي بصورة خاصة. وإن ما بدأ كحركة تمرد تطور ليصبح صراعاً طائفياً وعرقياً يهدد بتمزيق كيان الدولة، وإدخالها في أتون حرب أهليةٍ دامية، أو تقسيمها بين الشيعة والسنة، والأكراد. وأدت الحرب المستمرة إلى تعقيد المشكلات الخطيرة في العراق، بما فيها تلك المتعلقة في تخصيص الموارد وتوزيع المساعدات. وبرمجت الولايات المتحدة مبلغ 38 مليار دولار لإعادة إعمار العراق، وذلك خلال الفترة الفاصلة بين الغزو الأمريكي عام 2003 وإعلان الرئيس الأمريكي لخطته الجديدة عام 2007. كما تعهد المجتمع الدولي بتقديم 15 مليار دولار لذلك الغرض.
وإن أفضل التوقعات هي أن تتمكن استراتيجية بوش الجديدة من شراء بعض الوقت لدعم العمليات العسكرية لمدة عامٍ أو نحو ذلك، ما يمكن أن يضعف الحرب الطائفية والعرقية. وإذا ما أريد تحقيق النجاح، فإنه لا بد من إعادة هيكلة جميع خطط إعادة الإعمار السابقة خلال العام الحالي والعام المقبل. ولا بد من معالجة القضايا والمشكلات الآتية:
لا بد من تطوير المزيد من الخطط الفعالة من أجل تحقيق تنمية شاملة في العراق قائمة على المساعدات، والإنفاق الحكومي، تكون أكثر اقتراباً من القضايا التي يشعر العراقيون أنها ملحة ومحققة لحاجتهم، مقابل ما يعتقده الخبراء الأمريكيون، والمستشارون الأجانب المختلفون.
إن الانفصاليين في الشمال الكردي، والساعين إلى الانفصال في الجنوب، يقومون بالفعل بخطوات على الأرض، حتى دون وجود مواد دستورية تتعلق بتركيبة العراق، فيما يخص قضايا الفيدرالية في كل إقليم. وسوف تظل هذه الأمور تمثل أقضية رئيسية لا بد من معالجتها، إذا كان لخطة بوش والمالكي أن ترى النجاح في أرض الواقع.
إن الانتخابات المحلية، والتصويت الخاص بالفيدرالية، وتوزيع العوائد النفطية، سوف تستمر في دعم جهود الأقاليم المحلية في وجه الحكومة المركزية، حتى لو حققت خطط تلك الحكومة نجاحاً.
إن الفشل في إتمام عدد كبير من المشروعات، والإخفاق في تحويلها إلى العراقيين، وتوفير إمكانيات الاستدامة لها، والعجز التمويلي، وعدم ضمان الدعم حتى تستطيع أن تعمل بذاتها، سوف تمثل مشكلة بارزة للعيان خلال العام الحالي. وسوف تتطلب حلولاً عاجلة بحلول عام 2008، حيث تحتاج بعض المشروعات إلى صيانة، وإلى استثمارات إضافية. وسوف يتعرض عدد كبير من المشروعات إلى الفشل، وبالذات تلك المعتمدة على المساعدات والمعرفة التقنية الغربية.
لا تزال هناك حاجة إلى تمكين العراقيين من تخطيط وإدارة جهود المساعدات. ولا بد من توفير الدعم لهم حتى يتمكنوا من إدارة صناديق التمويل. وسوف يستمر بروز هذه المشكلة خلال العام الحالي، كما أنها سوف تتطلب المزيد من تركيز الجهود عام 2008. وهنالك مشكلات كثيرة متعلقة بالفساد، وعدم كفاءة الأداء، والبيروقراطية، وقلة الخبرات المدربة، وخطورة العمل في الميدان، والمحاباة العرقية والطائفية، والمشكلات العادية التي يواجهها قطاع المقاولات. وإن الأولوية يجب أن تعطى لترسيخ مفاهيم النزاهة، والكفاءة، والعمل الجاد.
لا تزال الإمكانات الأمريكية في إعادة الإعمار محدودة، حيث إن العاملين في هذا المجال تنقصهم الخبرات اللازمة. وأظهرت وكالة المساعدات الدولية الأمريكية، واتحاد المهندسين، والمقاولون الأمريكيون، قدرات محدودة، حتى الآن من حيث التخطيط، والسيطرة، والمراقبة، والتطوير. وكل هذه الأمور لازمة من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ولم تكن مستويات التنفيذ من جانب الأمريكيين أعلى من المستويات العراقية. ومن الصعب إيجاد أي تبرير لذلك.
على الحكومة العراقية ومقدمي المساعدات تطوير أسلوبٍ جديدٍ للمساعدة؛ يتعامل مع الإبداع والخصخصة فيما يتعلق بالصناعات التي تملكها الحكومة العراقية، ومحاولة تقليص حجم القطاع العام، وتحرير الزراعة والري من قيود السيطرة الحكومية التي تؤدي إلى تراجع كبير في إنتاجية هذا القطاع الحيوي.
بلغت المشكلات الفنية والإدارية التي يعاني منها قطاع النفط في العراق حداً يجعل من الضروري للغاية اتخاذ إجراءات عاجلة حتى للاستمرار في المحافظة على مستوى الإنتاج الحالي. وهنالك حاجة إلى ضبط الزيادة في الطلب المحلي وتقليص استيراد المشتقات النفطية. وهنالك حاجة ملحة إلى وضع خطة شاملة لإعادة تأهيل هذا القطاع. ولا يمكن للعراق أن يصبح مستقلاً في تمويل جهود التنمية ما لم يتم إصلاح قطاع النفط. ولا بد كذلك من إنشاء شركة للمصافي، ورفع الدعم عن المنتجات البترولية الذي يتسبب في مضاعفة الطلب، ويعمل على تحفيز السرقات ونشوء السوق السوداء.
هنالك تدهور شديد في قطاعي الصحة والتعليم بسبب استمرار القتال، وضعف برامج المساعدات، وتراجع مستوى الاستثمار. ويحتاج هذان القطاعان إلى جهود إصلاحية تبدأ من القاعدة نظراً للتدهور الهائل الذي حل بهما.
إذا كانت استراتيجية الرئيس بوش تجعل من إعادة الحياة إلى الصناعات العراقية المملوكة من جانب الدولة بمثابة أولوية قصوى، فإن هذه الصناعات في حاجة إلى علاجٍ شامل، وموارد جديدة، وإعادة برمجة صناديق التمويل القائمة.
وهنالك حاجة لرصد الكثير من الأموال لتحديث قطاع الري والزراعة.
كما أن هنالك حاجة شديدة للأموال في مجال إعادة إعمار ما خلفته الحرب. وتبرز الحاجة الملحة إلى إصلاح الطرق والكثير من المرافق في المناطق الريفية.
تحتاج قطاعات المياه، والكهرباء، والصرف الصحي إلى الكثير من الجهود والأموال. وهنالك حاجة ماسة إلى خطة على مستوى البلاد لدراسة المرافق التي تبرز الحاجة إليها لمعالجة المشكلات الكبرى في خطوط نقل الطاقة، وأنابيب المياه، وشبكات الصرف الصحي، وتقديم الخدمات في صورة شاملة.
هنالك حاجة ملحّة إلى حل الميلشيات لتأمين الاستقرار في قطاعات العمل المختلفة، وإعادة هيكلة قوى الأمن الداخلي وتكثيف تدريبها.
لا بد من إعادة النظر في الجهود المبذولة في إنشاء وزارات فعالة، ومكاتب حكومية قادرة على العمل، وإنهاء المحسوبية والفساد.
هنالك حاجة ماسّة إلى تحفيز قدوم الاستثمارات الخارجية ومساعدة طبقة رجال الأعمال العراقيين للتعافي من آثار الحرب والدمار، وزيادة القدرة في التعامل مع فترة ما بعد الحرب الطائفية، ومحاولة اجتذاب أعدادٍ كبيرةٍ من العراقيين الموجودين في الخارج للاستفادة من خبراتهم في دعم التنمية.
وليس من الواضح ما إذا كانت كل هذه الأمور تلقى الاهتمام المطلوب. وحتى في حالة تحقيق النصر، فإن على وكالات وأجهزة الإعمار أن تعيد النظر في الأهداف التي أنشئت من أجلها لأن الأمور تتغير في أرض الواقع.
والحقيقة هي أن القتال الدائر في العراق في الوقت الراهن يجعل من المتعذر على أية جهة معرفة متى يمكن أن تبدأ الجهود الحقيقية لإعادة الإعمار سواءٌ بالنسبة إلى الاقتصاد ككل، أو للقطاع النفطي الحيوي؟ وتحول التمرد إلى صراع عرقي وطائفي يهدد بتمزيق البلاد.
وتسبب الصراع بالفعل في تعقيد الكثير من المشكلات، وخلق أنواع جديدة منها. وتتضمن جهود جمع الأموال جوانب ذات أبعاد سياسية، وعسكرية، واجتماعية. وهنالك نفقات عسكرية شهرية تتراوح بين 6 - 11 مليار دولار تضاف إلى النفقات المختصة بإعادة الإعمار. وهنالك تقديرات أولية من جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تفيد أن إعادة الإعمار تتطلب 100 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى حاجة العراق إلى التعامل مع مشكلات الديون. ويتحمل العراق ديوناً منذ بداية الحرب الإيرانية العراقية حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بما يصل إلى 100 مليار دولار أمريكي يعود معظمها إلى دول الخليج وروسيا. ويتحمل العراق كذلك الكثير من التعويضات بعد غزوه للكويت. وهنالك جهود مستمرة لتخفيف ديون العراق منها ما اتخذه نادي باريس من قرار إعفاء العراق من 80 في المائة من ديونه للنادي والتي بلغت 42 مليار دولار.
وتم الاستنتاج من التقرير الذي وضعه المفتش العام لإعادة إعمار العراق أن معظم جهود الإعمار كانت فاشلة. ولم يستطع الأمريكيون والعراقيون قياس آثار برامج المساعدات على وجه الدقة. وكثيراً ما يتم القياس من خلال المبالغ التي تم صرفها، والمشاريع التي جرى البدء فيها، والمنشآت التي اكتمل إنشاؤها، أو حجم محطات توليد الطاقة، أو كميات المياه التي تتم تنقيتها. ولا يمكن معرفة جداول المراحل الخاصة باكتمال المشروعات إلا في المناطق ذات الاستقرار النسبي.
وتفشل المشروعات غالباً في إنتاج وتقديم الخدمات المطلوبة، وتلبية الطلب المتزايد على المياه والكهرباء، وتحويل المباني الجديدة إلى مدارس وعيادات طبية عاملة. ثم اللجوء في كثير من الأحيان إلى تصغير أحجام المشروعات، أو نقلها إلى أمكنة أخرى بسبب الظروف الأمنية.
وعلى الرغم من أن استمرار القتال هو السبب الرئيسي في صعوبة حل المشكلات، إلا أن هنالك جوانب أخرى متعددة للأوضاع المعقدة التي يشهدها العراق. وتم ضخ أموال المساعدات إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين دون تخطيط مسبق، بإدارة ضعيفة، وإشراف شبه معدوم. وكانت الولايات المتحدة على عجلة من أمرها في تحويل العراق من نظامٍ مركزيٍ إلى نظامٍ ديمقراطيٍ متحرر، دون أن تدرك حجم المشكلات السياسية والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية في هذا البلد. وتم الشروع في عدد من مشاريع البنية التحتية دون دراسات ملائمة، ودون التأكد من وجود الدعم الكافي على مستوى المقاولين، أو معرفة مدى قدرة الحكومة العراقية في إدارة تلك المشاريع. ولم تكن الجهات الأمريكية كذلك متأكدة من قابلية تلك المشاريع للاستدامة.
وكان هنالك تجاهل للمشكلات الموروثة في الصناعات المملوكة من قبل الحكومة. كما أن نظام شراء المحاصيل الزراعية، بغض النظر عن نوعيتها، من جانب السلطات الحكومية، شكل العديد من المشكلات في سبيل تطوير القطاع الزراعي. وكان التعجل في حل حزب البعث ضربةً قويةً للإمكانات الإدارية والفنية، ما جعل مهمة إعادة تشكيل الأجهزة الوظيفية في الوزارة أمراً في غاية التعقيد. وتبين أن أوضاع مشروعات التنمية الجديدة تسير من سييءٍ إلى أسوأ في ظل استمرار تغير العاملين وجهات الإشراف والإدارة. وانقسم موظفو الدولة في حدة على أسس طائفية ضيقة، وأصبحت وزارات حيوية، مثل وزارة الصحة العامة، تحت إشراف جماعات تابعة لزعماء مثل مقتدى الصدر.
وكان هنالك نوع من التقليل من مخاطر العجز الإداري، وكذلك الفساد والسرقات. وكان إفلاس الخزينة المبكر عام 1983 سبباً رئيساً للاقتراض من الخارج وتخصيص الأموال للشؤون العسكرية بعيداً عن البنية التحتية، مما أبقى تلك البنية في حجمٍ يصلح لخدمة سكان العراق البالغ عددهم 18 مليون نسمة في ذلك الحين. وحين أصبح هذا العدد 26 مليون نسمة، تكشفت عيوب الحجم والنوعية لتلك البنية التحتية. وتبين الدراسات المتتالية أن جهود المساعدات فشلت في تلبية الحاجات الفعلية للعراق، حتى إن معدل التقدم المتحقق في الأرض أخفق في الحفاظ على مستويات الإنتاج والخدمات السابقة. والنتيجة العامة لذلك هي عملية مفتوحة لا يدري أحد أين ولا كيف تنتهي؟
وهنالك مشكلة خاصة تتعلق بالتقارير الخاصة بمساعدات التنمية، حيث أن أغلبها يخلط بين التعهدات والنفقات على أرض الواقع. وإذا كانت أموال كثيرة قد خصصت للمشروعات المختلفة، فإن مسألة الإنفاق الفعلي لتلك الأموال تبقى قضية أخرى. ويضاف إلى كل ذلك أن الأموال التي أصبحت جاهزةً للإنفاق تعرضت إلى مراحل متلاحقة من إعادة البرمجة. وبرزت في تلك الأثناء كل مشكلات الفساد، والهدر، وفقدان المساءلة. وهنالك تباين كبير في تقدير الأموال التي صرفت حتى الآن، إذ يقول الأمريكيون إنهم صرفوا حوالي 20 مليار دولار بالفعل في إعادة الإعمار، إضافة إلى ما يتم إنفاقه لهذا الغرض من العوائد المحلية والمساعدات الخارجية. وتدخل الأموال المخصصة لتدريب قوات الأمن الداخلي العراقية في هذه الحسابات، حيث قدر المبلغ الذي خصص لذلك الغرض بـ 4.7 مليار دولار.
وتم تدريب حوالي 300.000 عنصر من تلك القوات، إلاّ أن كثيرين منهم هربوا من الخدمة. وإذا كان إنشاء جيشٍ جديدٍ يحقق بعض النجاح، فإن العمل على إنشاء وتدريب شرطة محلية على نطاق العراق كان أمراً فاشلاً. وتم إنفاق حوالي مليار دولار على إنشاء المحاكم وإصلاح النظام القضائي، حيث يمكن القول إن بعض النجاح قد تحقق. وهنالك مبالغ قريبة من ذلك تم إنفاقها على تشجيع الديمقراطية، وتحسين نظام التعليم. وتم تخصيص 550 مليون دولار للصحة، و760 مليون دولار لإصلاح القطاع الخاص. وتم تخصيص 2.9 مليار دولار للكهرباء، و1.4 مليار دولار للمياه، ومبالغ متفرقة أخرى للنقل وقطاعات اقتصادية متعددة. ولم تستفد قطاعات كبيرة من العراقيين من صرف تلك الأموال، وبالذات في المناطق المحرومة وشديدة الفقر، كما ورد في تقارير عددٍ من لجان التحري التي عرضت أمام الكونغرس الأمريكي. ويتعرض قطاع الكهرباء بالذات إلى الكثير من المشكلات من حيث كميات توليد الطاقة وتوزيعها، وتوقيت كل ذلك. ولم تستطع منشآت ومنازل بغداد التمتع بالتيار الكهربائي سوى لفترات تقترب من 7.5 ساعة يومياً مقابل معدل عام للبلاد يبلغ 8.8 ساعة يومياً. وهنالك مشكلات كبرى تعرضت لها شبكة نقل وتوزيع الكهرباء، حتى أنه يبدو من المتعذر في كثير من الأحيان قياس كميات التيار الكهرباء التي وصلت إلى المنازل.
وكانت الحكومة العراقية تهدف إلى توفير طاقة كهربائية مقدارها 6.000 ميغاواط في نهاية عام 2006. إلا أن ذلك الهدف لم يتم تحقيقه. وكان أقصى ما أمكن توليده هو 4.650 ميغاواط، أي 78 في المائة فقط من الهدف المحدد. ويلجأ كثير من العراقيين إلى استخدام مولدات الكهرباء الخاصة لسد النقص الناجم عن العجز الكبير في الإمدادات عبر الشبكة الوطنية.
وتتعلق كل هذه الأمور بمشكلات قصيرة الأجل، ما يوحي أن التصدي لمشكلات الخدمات يتطلب المزيد من المساعدات وجهود التخطيط على حد سواء. وهنالك حاجة لـِ 20 مليار دولار للتمكن من بلوغ الطاقة المستهدفة عام 2010 التي تبلغ 18.000 ميغاواط. وتقدر مصادر البنك الدولي حاجة قطاع الكهرباء في العراق إلى 12 مليار دولار، أي ضعف المبلغ الذي قدره الكونغرس الأمريكي عام 2003. أما وزارة الكهرباء العراقية، فتقول إن هنالك حاجةً إلى 35 مليار دولار أمريكي لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء في العراق. ويزداد الطلب المحلي على الكهرباء بشدة بسبب استمرار شراء المواطنين لأجهزة التكييف الكهربائية، وغيرها من الأجهزة المستهلكة للطاقة.
أما مشكلات قطاع المياه والصرف الصحي، فهي أسوأ من ذلك، على الرغم من عدم توفر الإحصائيات الدقيقة حول هذا الأمر. وهنالك حاجة إلى ترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي الذي يستهلك حوالي 90 في المائة من المياه. ومن الصعب تقدير المبالغ اللازمة لإعادة تأهيل قطاع المياه والصرف الصحي نظراً لضخامة المشكلات في هذا القطاع، وعدم وجود معلومات دقيقة.
وأما في قطاع النفط، فإن معظم الأموال ذهبت للإصلاحات الطارئة، أو لإعادة تشغيل المنشآت التي أصابها الضرر بفعل العمليات الحربية.
وتعرض القطاع الصناعي إلى هجرة أعدادٍ كبيرةٍ من العاملين فيه، وبالذات في قطاع الصناعات العسكرية الذي كان يشكل جانباً كبيراً من الصناعة في العراق قبل سقوط النظام السابق. وتعرضت منشآتٍ صناعيةٍ كثيرةٍ تابعةٍ للدولة إما للتخريب أو للسرقة، أو للاثنين معاً. ولم تظهر الولايات المتحدة اهتماماً حقيقياً بإعادة تشغيل الصناعات الحكومية إلا في الخطة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس بوش في العاشر من كانون الثاني (يناير) 2007.
غير أن قطاع النفط العراقي هو القطاع الأكثر حيوية الذي لا يمكن تجاهله عند الحديث عن أية مساعدات تستهدف تحقيق التنمية المستدامة. وتفيد تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن الاقتصاد العراقي الذي تعرض إلى درجات عالية من التدمير والتشويه، يعتمد الآن على قطاع النفط الذي يزود العراق بـ 95 في المائة من العملات الأجنبية، كما يشكل 90 في المائة من العوائد الحكومية. ولا يزال معدل دخل الفرد في العراق أدنى مما كان عليه عام 1991 قبل حرب الخليج الأولى. والواقع أن العراق يمتلك احتياطيات نفطية هائلة، مع أنه لا توجد هنالك أي جهة يمكنها تقديم أرقام دقيقة في هذا الخصوص. وتقدر مصادر أمريكية أن لدى العراق 115 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية المؤكدة، أي أنها تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد المملكة العربية السعودية وكندا.
ويتركز حوالي 65 في المائة من الاحتياطيات العراقية في منطقة الجنوب، علماً أنه لم يتم استكشاف أكثر من 10 في المائة من الأراضي العراقية. وترى جهات متعددة أن طبقات النفط العميقة في الصحراء الغربية يمكن أن تضيف 100 مليار برميل من الاحتياطيات إلى الاحتياطيات العراقية المؤكدة. وتقول مصادر عراقية إن لدى العراق 214 مليار برميل من النفط بين مؤكدٍ وغير مؤكد. ويركز مسؤولو وزارة النفط العراقية بصفة خاصة عن تكثيف جهود مكافحة الفساد في هذا القطاع، وعلى إعادة تأهيل شركة النفط الوطنية العراقية.
ووفقاً لتقديرات مجلة النفط والغاز، فإن لدى العراق 110 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، إضافة إلى 150 تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات المحتملة. ويشكل الغاز المرتبط مع النفط حوالي 70 في المائة من احتياطيات الغاز في العراق. أما الباقي، فهو غاز حر. وأنتج العراق عام 2004 حوالي 62 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي أقل بكثير من أرقام عام 1989 التي بلغت 215 مليار قدم مكعب. ونظراً لأن معظم الغاز العراقي مرتبط بالنفط، فإن زيادة الإنتاج النفطي سوف تعمل على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي. ويتم حرق معظم الغاز المصاحب نظراً للنقص الكبير في المنشآت اللازمة للاستفادة منه. وتقول مصادر وزارة النفط العراقية إن 60 في المائة من الغاز المصاحب للنفط يتم حرقه. وتظهر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الكثير من الحقائق حول مشكلات أخرى تتعلق بالبنية التحتية، وأنابيب النقل، ومنشآت التصدير التي لا يمكن التعامل معها إلا إذا تحقق السلام في البلاد.
وبلغ معدل الصادرات النفطية في شهر أيار (مايو) 2005 حوالي 1.5 مليون برميل يومياً. وتحذر مصادر هذه الوكالة من أنه من الصعوبة بمكان تقدير الدخل الناجم عن صادرات النفط العراقية التي يحيط بها الكثير من عوامل عدم اليقين. وهنالك مشكلات كبرى تعيق عمليات الإصلاح، وتمنع المقاولين من العمل في هذا القطاع المهم. وينفق العراق، حسب تقديرات هذه الوكالة حوالي 2 مليار دولار أمريكي سنوياً على استيراد المشتقات النفطية. ولم يكن أثر استمرار العمليات الحربية مقتصراً على محاولات الحفاظ على الطاقة الإنتاجية الحالية، بل إن الأمر يتعلق كذلك بالقدرة على زيادة هذه الطاقة في المستقبل. وكان العراق قد بلغ قمة إنتاجه النفطي عام 1979، حيث وصل المعدل اليومي إلى 3.7 مليون برميل قبل بدء الحرب مع إيران. وتراجع الإنتاج خلال تلك الحرب، إلا أنه استعاد قمته عام 1990 قبل غزو الكويت. وتدهور الإنتاج بعد ذلك إلى أن عاد إلى التحرك بمعدل 600.000 برميل يومياً عام 1996 حين قبل العراق بتطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بالنفط مقابل الغذاء. ووصل معدل الإنتاج إلى 2.58 مليون برميل يومياً في أوائل عام 2003 قبيل الغزو الأمريكي البريطاني. ولم يستطع الإنتاج تحقيق هدف وزارة النفط العراقية المحدد بـ 2.5 مليون برميل يومياً منذ ذلك التاريخ.
وهنالك جهود حثيثة تبذل لمعرفة ظروف الإنتاج في الحقول العراقية الشمالية والجنوبية من قبل كل من شركتي بريتيش بتروليوم وشل. وتهدف هذه الجهود إلى تحديد الأضرار التي لحقت بالحقول نتيجة أساليب الإنتاج الخاطئة، وضخ الكثير من المواد في الآبار، وعدم العناية بشؤون السلامة والصيانة خلال فترة طويلة من الإنتاج.
وإذا كانت العمليات الحربية المتصاعدة، والأمور الأمنية هي التي شكلت الدوافع الرئيسية لاستراتيجية إدارة الرئيس بوش الجديدة في العراق، فإن البعد الاقتصادي كذلك كان له دور بارز في هذا الشأن. وتمزج هذه الاستراتيجية بين الإجراءات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية بطريقة تحرك آمالاً كبرى في تحقيق النجاح، على الرغم من المخاطر الماثلة أمام عيون الجميع. وتدعو هذه الاستراتيجية التي ناقشها الرئيس بوش مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، مطولاً قبل الإعلان عنها إلى تحقيق خطوات سياسية في العراق بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، وضمان عدم محاباة الحكومة العراقية للشيعة على حساب السنة.
وتدعو هذه الاستراتيجية الجديدة كذلك إلى بذل المزيد من الجهود في مجال المساعدات الهادفة إلى تحقيق التنمية، على الرغم من أن هذه الأمور تظل بعيدة عن التحديد الدقيق.
وتركز الاستراتيجية كذلك على أهمية توفير أعدادٍ كبيرةٍ من الوظائف للعراقيين من خلال إنشاء المشروعات الصغرى والمتوسطة. ويتم التركيز في صورة خاصة على الإصلاح في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية مكثفة.
ويتطلب الأمر وقتاً طويلاً لمعرفة أثر الإجراءات العسكرية والأمنية الجديدة على جهود التنمية الاقتصادية، وعلى دور البلدان الأخرى في تحقيق ذلك. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، قد تعرضت لهذه المشكلات في شهادتها أمام الكونغرس في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) 2007، حيث ذكرت أهمية العوامل الاقتصادية في تحقيق الاستقرار في العراق. وحثت على ضرورة التكامل بين الجهود العسكرية والدبلوماسية. وركزت الوزيرة كذلك على أهمية الدور المتزايد الذي يجب أن يلعبه العراقيون أنفسهم في هذه العملية. وأشارت الوزيرة إلى أن الحكومة العراقية اتخذت عدداً من الخطوات الاقتصادية الرئيسية مثل السياسات الخاصة بانفتاح الاقتصاد العراقي، وتركيز الجهود على جذب الاستثمارات الأجنبية. وعلى الحكومة العراقية كذلك الإسراع في تفعيل جهودها لإعادة تقديم الخدمات في المناطق المضطربة. ويعمل العراقيون على تطوير إمكاناتهم الخاصة بصرف أموال التنمية، حيث اقترحوا إنشاء مجلس إعمارٍ جديدٍ يساعد رئيس الوزراء على الإسراع في تقديم الأموال وزيادة فعالية ذلك فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية الأساسية الكبرى .
وهنالك اعتراف على نطاق واسع بأن المشكلات معقدة للغاية، وأن حلها يحتاج إلى فترةٍ طويلة. وهنالك فريق عمل متخصص يعمل في بغداد في تطوير قدرة الجانب العراقي فيما يتعلق بصرف أموال المساعدات على المشروعات المختلفة. والمقصود من ذلك زيادة الدور العراقي المحلي في هذه العملية، بحيث يستطيع ممثلو الجهات الحكومية تحسين وسائل الصرف والمراقبة. كما أن لمنظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في هذا الخصوص. ويهدف الفريق الأمريكي إلى تزويد هذه الجهات بالمعرفة اللازمة لعملها وتحسين وضع السياسات، والإجراءات التنفيذية، ودعم ترشيد الحكومة. وهنالك حاجة ماسة إلى وجود أكثر من 400 خبير إضافي في هذا الشأن لدعم عدد من الخبراء من اختصاصيات المختلفة لا يزيد على 100 خبيرٍ في الوقت الراهن.
إن وجود هذه الاستراتيجية الجديدة لا يعني إهمال الجهود الخاصة في الحصول على مزيد من المساعدات الدولية من أجل التنمية المستدامة في العراق. وكان كل من الرئيس الأمريكي، جورج بوش، ووزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، واضحين تماماً في هذا الخصوص، على الرغم من أنهما رفضا السعي إلى حصول تعاون مع كلٍ من إيران وسوريا. وكان الرئيس بوش تحدث في خطاب طرح الاستراتيجية الجديدة عن نية الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام كل مصادرها الدبلوماسية في الحصول على مساعدات للعراق من جانب دول الشرق الأوسط. وشدد على أن دولاً مثل السعودية، ومصر، والأردن، ودول الخليج الأخرى، يجب أن تفهم أن هزيمة الولايات المتحدة في العراق تنذر بتحركٍ جديدٍ من جانب المتطرفين الذين يشكلون خطراً على أمن وسلامة المنطقة. وعلى هذه الدول أن تزيد من مساعدتها للعراق، لكي يحقق السلم والأمن .
- آخر تحديث :
التعليقات