يحيى عبد المبدي - تقرير واشنطن

كل المؤشرات في العاصمة واشنطن تدل على أن الملف النووي الإيراني وازدياد نفوذ الجمهورية الإسلامية في العراق ولبنان لا يزعج الولايات المتحدة وإسرائيل، فحسب وإنما يزعج الكثير من الدول العربية - في مقدمتها مصر والسعودية والأردن- التي تعتبر إيران في الشهور الأخيرة مصدر قلقها الأول. تقرير واشنطن يرصد أهم هذه المؤشرات من خلال متابعته جلسة الحوار التي أجراها السيناتور الديمقراطي بيل نيلسون في مجلس العلاقات الخارجية CFR في نهاية شهر يناير مع مجموعة من الباحثين والإعلاميين في واشنطن ، كذلك من خلال متابعة كلمة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط يوم الأربعاء الماضي بمركز سابان التابع لمؤسسة بروكنغز بواشنطن، ذلك بالإضافة إلى تصريحات مسئولين عرب أعربوا مؤخرا عن نفس الشعور.
تطابق موقفي نتانياهو والملك عبد الله بخصوص إيران
نظم مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن يوم الثلاثاء 30 يناير جلسة quot;دردشةquot; جمعت السيناتور الديمقراطي عن ولاية فلوريدا بيل نيلسون Bill Nelson بمجموعة من السياسيين والباحثين والإعلاميين المهتمين بملف الشرق الأوسط. الحوار الذي تناول رحلة قام به السيناتور في شهر ديسمبر الماضي إلى العراق وثماني دول شرق أوسطية واستغرقت 12 يوما. كان الهدف من الرحلة على حد قول نيلسون استكشاف واقع الأزمة العراقية عن قرب في ضوء توصيات تقرير مجموعة دراسة الوضع في العراق. وقال نيلسون أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجنرال مايكل هايدن أقنعه بزيارة المملكة العربية السعودية نظرا لعدم قيام أي وفد في السنتين الأخيرتين بزيارة حليف استراتيجي مثل المملكة. كما طلب مدير الاستخبارات من السيناتور نيلسون أن يسعى لدى السعوديين لحثهم على تقديم العون في استقرار الوضع الأمني في العراق من خلال الاستفادة من علاقة السعوديين العشائرية بالسنة في العراق وإقناعهم بالكف عن دعم المسلحين. وأضاف السيناتور أنه قام بنقل هذه الرسالة بوضوح إلى العاهل السعودي الملك عبد الله. ثم تحول السيناتور للحديث عن إيران ، حيث قال إن بالإمكان إتباع سياسة الانخراط مع سوريا وإيران للتعاون في حل الأزمة في العراق، ولكن المعضلة بالنسبة لإيران هي أن التهديد الذي يمثله الطموح النووي الإيراني وسعيها الدءوب لإضعاف حكومات دول المنطقة.
ومن التعليقات المثيرة التي جاءت على لسان السيناتور نيلسون قوله : quot; في كل عاصمة زرتها كان التهديد الإيراني على رأس أجندة المسئولين. والحقيقة أن أكثر الأوصاف التي سمعتها تشابها فيما يتعلق بالخطر الإيراني لم ترد على لسان أحد إلا على لسان كل من بنيامين نتانياهو زعيم حزب الليكود الإسرائيلي والعاهل السعودي الملك عبداللهquot;
أبو الغيط والخطر الإيراني
في إطار زيارته القصيرة لواشنطن، ألقى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الأربعاء كلمة بمركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنغز . الحوار الذي دار بين الوزير المصري والحضور والذي كان عبارة عن quot;دردشةquot; تناول قضايا داخلية مصرية وقضايا إقليمية في مقدمتها موقف مصر من تطور الأوضاع في العراق والقضية الفلسطينية خاصة الصراع الدائر بين فتح وحماس. ولم يغب الملف الإيراني عن الحوار، حيث لم ينكر الوزير حجم دور إيران الإقليمي في الشرق الأوسط بجانب مصر وتركيا، لكنه في ذات الوقت اعتبر أن إيران في ظل تنامي دور الشيعة في العراق تسعى لاستغلال الموقف وخلق نموذج إيراني أخر هناك. والمح أبو الغيط إلى أن إيران تعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لاستعراض مكانتها ونفوذها الإقليمي. ورغم أنه طالب بحظر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط بدون استثناء إسرائيل ، فقد أعرب عن قلق مصر من الطموح النووي الإيراني. وفي رده على سؤال حول مسألة quot;الهلال الشيعيquot; ، قال أبو الغيط إن الهلال غير مكتمل ولا ينطبق على الواقع الإقليمي ، حيث إن الهلال يمتد من إيران حتى جنوب لبنان، لكنه يمر بكل من الأردن وسوريا وهما بلدان يتمتعان بأغلبية عظمى من السنة وبذلك فإن فكرة الهلال الشيعي غير واقعية.

واستطرد الوزير محملا الغزو الأمريكي للعراق والتدخل الإيراني مسؤولية الاحتقان الطائفي، حيث قال إن العديد من زعامات حزب البعث في العراق كانوا من الشيعة وإن معظم من حاربوا ضد إيران في الحرب العراقية الإيرانية كانوا من الشيعة ، وأضاف إننا لم نسمع عن الفرق بين السنة والشيعة طوال العقود بل القرون السابقة. تصريحات الوزير المصري تأتي في سياق تصاعد الحملة الإعلامية المصرية ضد نفوذ إيران المتزايد في المنطقة والتي بدأها الرئيس المصري في لقاء مع قناة العربية الفضائية في الربيع الماضي متهما شيعة الدول العربية بالولاء لإيران ولطائفتهم أكثر من الولاء لبلدانهم ، ويأتي في نفس السياق التصريحات الأخيرة لوزارة الخارجية المصرية التي اتهمت فيها عناصر المخابرات الإيرانية باختطاف وقتل السفير المصري السابق لدى بغداد. كما أن موقف مندوب مصر في الأمم المتحدة السفير ماجد عبد الفتاح عبد العزيز من قرار الجمعية العامة بتجريم إنكار الهولوكوست يوم 26 يناير وحرصه على التواجد في المؤتمر الصحفي عقب التصويت وتأييده للقرار يعبر عن زيادة العداء بين القاهرة وطهران على حد قول روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يوم الجمعة 2 فبراير في أحدى ندوات المعهد.

الزعماء العرب والهلال الشيعي
كانت إيران دائما تمثل هاجسا أمنيا للأنظمة العربية خاصة بعد الثورة الإسلامية وطموح الجمهورية الإسلامية في تصدير الثورة إلى دول الخليج. استعانت الدول العربية في هذا الوقت بصدام حسينquot; حامي البوابة الشرقيةquot;، ودعمته سياسيا وعسكريا واقتصاديا طوال سنوات حرب الخليج الأولى في سعيا لمواجهة الخطر الإيراني. ثم جاء احتلال الولايات المتحدة للعراق وسقوط نظام صدام ووجود برلمان وحكومة يسيطر عليهما شيعة العراق بمثابة هدية غير مقصودة لإيران. الأمر الذي أعاد علاقة الدول العربية وخاصة دول الخليج والأردن ومصر بإيران للمربع صفر. وأصبحت إيران هاجسا مشتركا لمعظم دول المنطقة ، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أطلق مصطلح الهلال الشيعي ، العاهل السعودي والرئيس المصري انتقدا للمرة الأولى حزب الله الصيف الماضي واعتبراه مسؤولا عن اشتعال الحرب الأخيرة مع إسرائيل وانه يحارب بالوكالة عن مصالح قوى إقليمية. الولايات المتحدة التي باتت تعترف بأخطاء سياستها في العراق ، تحاول تعبئة الدول العربية ضد إيران دون أن يؤثر ذلك على دعمهم للحكومة العراقية ، فقسمت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس الخريف الماضي الدول العربية إلى معسكرين، معسكر معتدلين يضم مصر والأردن والسعودية ، ومعسكر متطرفين يضم سوريا وإيران.
وفي الوقت الذي بدأت الإدارة الأمريكية الضغط على حكومة المالكي لمواجهة المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، زادت تصريحات المسئولين الأمريكيين التي تعكس تخوف الدول العربية من خطورة البرنامج النووي الإيراني وازدياد نفوذها في المنطقة. الأنظمة العربية وطبقا لمقال نشر في صحيفة كريستيان ساينس مونتور هذا الأسبوع حائرة بين شعورها بهيمنة وتنامي دور إيران وطموحاتها النووية من جهة وبين الخوف من الفوضى التي يمكن أن تعم المنطقة في حال قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران.
وفي نيورك تايمز في السادس من فبراير الجاري، نشرت الصحيفة مقالا بعنوان ldquo;السعوديون يقاومون إيران في المنطقةrdquo;، تناولت محاولات السعودية إحداث توازن إقليمي مواز للنفوذ الإيراني ، فالسعوديون الذين فضلوا لسنوات العمل الدبلوماسي من وراء الكواليس ، يحاولون الآن الاضطلاع بدور رئيسي في نزاعات ثلاثة في منطقة الشرق الأوسط من خلال استضافة المفاوضات بين حركتي فتح وحماس لوقف الاقتتال الداخلي بينهما هذا الأسبوع في مكة . وفي لبنان تقف المملكة بقوة إلى جانب الأغلبية التي تقودها حكومة السنيورة في مواجهة حزب الله. وفي العراق بدأت المملكة في الشهور الأخيرة في التدخل الرسمي، فضلا عن ما يشاع من تقديمها للدعم المالي والسياسي للسنة العرب.
إن زيادة الدور والنفوذ الإيراني في مناطق وملفات كانت لفترة مناطق نفوذ دول عربية، أشعل المنافسة الإقليمية، فبعد أن صرحت قيادات حزب الله في لبنان علانية باستعداد إيران لدفع الأموال اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وبعد أن تجاوز الدور الإيراني مناطق نفوذه الحدودية وأصبحت طهران من المحطات الرئيسية التي يتوقف بها مسئولو حماس ، شعرت كل من مصر والسعودية بأن دورهما التاريخي يتآكل ، وبالتالي فإن تصميم الرياض على إتمام اتفاق مكة والحرص السعودي على التدخل العلني في الملفات الثلاثة تكمن دوافعه طبقا للمقال إلى مواجهة إيران وقطع الطريق عليها.