إذا وضعَ المرءُ جانباً الرأيَ الخاصَّ به في دونالد ترمب، سواء بوصفه شخصاً، أو فيما يخصُّ سياساتِه، بقصدِ التقييم الموضوعي لأداء الرئيسِ الأميركي خلال العام الأول لولايته الثانية، فالأرجحُ أن يتَّفقَ مع إعطاء عام 2025، الذي يرحل اليوم، وصف «العام الترمبي». الأمر لا يتعلق بكيل المديح للرجل، ولا بإطلاق وابل من النقد الجارح على الأوامر التنفيذية، التي انطلق يوقّع عليها واحداً بعد آخر، بُعَيْدَ بضع ساعات من انتهاء مراسم التنصيب رسمياً. كلا، المسألة تتجاوز في أهميتها نطاق حصرها في حيز المواقف المتباينة من أقوال، أو أفعال، ترمب الشخص، الذي يصيب ويخطئ في حياته كما أي بشر؛ لأنها تتعلق بإعادة تشكيل للعالم ككل، وفق منظور ترمب وما يرغب في ترسيخ توثيقه بسجلات التاريخ من بعده، أعني «العقيدة الترمبية».
استكمالاً لما تقدم، يمكن القول إن هزيمة ترمب أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لم تثنه عن الإصرار على الترشح مجدداً في معركة 2024. ذلك، في حد ذاته، مؤشر واضح، ودليل ساطع، على أي نوع من الساسة الذين ينبغي أن يُنْسَب إليهم سياسي مثل ترمب، خصوصاً في المجتمعات الديمقراطية، حيثُ يتم تداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع. إنهم سياسيون ذوو رؤى يؤمنون بها عن اقتناع؛ لذا تراهم يعاودون المحاولة إنْ أخفقوا في معركة، فيعودون إلى الساحة طلباً للنجاح بعد أي إخفاق. إنهم ساسة لا تحول مفاجآت الأحداث، ولا خيبات المعارك، ولا حتى تسريبات فضائح سلوكية، بينهم وبين مسارح المواجهات، كما يفعل ساسة عابرون، شاءت أقدارهم أن يملأوا فراغاً حدث بفعل ظرف غير مُتَوَقَع. الطريف، ضمن السياق ذاته، أن دونالد ترمب قوبل بتخيل كهذا للساسة الطارئين على العمل السياسي، عندما أعلن عزمه دخول المعترك السياسي عام 2000 مرشحاً عن حزب «الإصلاح» غير المعروف كثيراً، وكذلك حين قرر دخول معركة السباق الرئاسي ضد هيلاري كلينتون عام 2016، وأمكنه هزيمتها.
هزيمة الديمقراطيين تلك كانت نقطة التحول التي بدأت معها إعادة الحسابات، داخل أميركا وخارجها، في النظر إلى ترمب، أولاً بوصفه رئيس أقوى دول العالم، وأغناها، ثم إلى ترمب الشخص أيضاً. لكن 4 سنوات في البيت الأبيض لم تكن كافية لأن يضع ترمب تصوراته للعالم موضع تطبيق؛ لذا كان عليه التريث حتى تأتي الفرصة مجدداً، وهو ما حصل في انتخابات عام 2024. بالطبع، لم تتوقف أحداث العالم خلال سنوات حكم بايدن وانتظار ترمب، بل على النقيض، زادت اشتعالاً، وبدا للبعض، أكثر من مَرةٍ، أن الأرض تقف على شفا حفرة الاحتراق في فرن نووي. فمن حرب روسيا - أوكرانيا ربيع 2022، إلى «طوفان الأقصى» خريف 2023، تسلم ترمب عالماً يلتهب بنيران الحروب. ومن جهته، أشعل ترمب معارك التعريفات الجمركية، ثم طفق يطارد ناقلات نفط فنزويلا، ويشن غارات على مواقع «داعش» في نيجيريا، ولا أحد يدري بالضبط أي «عام ترمبي» سيكون عليه العام الميلادي 2026 الذي يولد غداً، إنما التفاؤل بالخير يبقى هو الأفضل دائماً.
















التعليقات