السبت 17 فبراير 2007

د. حسن مدن


صورة المرأة في الإعلام هي واحدة من أكثر القضايا التي تتطلب بحثاً وتقصياً، خاصة في عصر الفضائيات التي جعلت الكم البصري المشاهد في كل بيت يفوق قدرة الإنسان ووقته، وأصبح المشاهد عرضة لرسائل إعلانية وإعلامية هائلة العدد تضخها وسائل ووسائط عدة. وفي هذه الرسائل ما من أحد بالذات يتعرض للإهانة والتنميط كالمرأة، فهي مادة للإعلان من خلالها تسوق مختلف السلع والبضائع بدءاً من المعكرونة والرز مروراً بالعطور والمساحيق والصابون، وانتهاء بالغسالات والثلاجات. والمرأة هي أيضا مادة للإيحاء الحسي والجسدي، وهي في الأخير ضحية تسريب، لا بل وتلقين قيم اجتماعية وثقافية غير سوية. ولو قام دارس جاد بتحليل ساعات البث في الفضائيات العربية، لا بل في وسائل الإعلام الأخرى، لوصل إلى نتيجة مخزية عن ضآلة حجم ما هو مكرس من برامج أو مواد لمناقشة قضية المرأة، بوصفها قيمة اجتماعية وثقافية وإنسانية على درجة كبيرة من الحساسية والتعقيد، وغالباً ما يجري الهروب من التصدي لهذه القضية عبر تنميط المرأة في صورة استهلاكية مغرضة، خاصة في مجتمعات تنعم بقدر من اليسر والرفاه كما هو حال مجتمعاتنا الخليجية.

ورغم المطالبات المستمرة الموجهة لوسائل وشركات الإعلان بحماية المرأة من الاستغلال، والنظر إليها نظرة أخرى، فإن الصورة النمطية السائدة هي ما يتكرس، وليس صحيحاً الزعم أن هذه الصورة هي نتاج المخيال الغربي الذي تقدمه وسائل الاتصال هناك مسقطة على مجتمعاتنا العربية الإسلامية، بدليل أن الصورة الإعلانية، كما الإعلامية، للمرأة عندنا، تبدي حرصاً شديداً على مراعاة لغة مخاطبة المتلقي المحلي، فصورة المرأة في الإعلان وهي تقتني البضائع في السوبر ماركت أو حتى تحضر وجبة الغداء في المطبخ هي غالباً صورة لامرأة ترتدي الحجاب، غير أن هذا الشكل الخارجي لا يلغي جوهر الرسالة الإعلامية أو الإعلانية التي تجعل من المرأة قرينة لكل ما هو استهلاكي، وفي حالات كثيرة لما هو حسي أيضا. بل إن أسوأ مركب يمكن تصوره لصورة المرأة في الإعلام وفي الإعلان هو ذلك المركب الذي يستعير من الوسائل البصرية الحديثة ما هو أكثر إبهارا وجدة فيها، ومن القيم الاجتماعية ما هو أكثرها صرامة ومحافظة لإبقاء المرأة أسيرة قيدين لا فكاك لها منهما : قيد الحجر الاجتماعي/ الثقافي الذي ينظر للمرأة بوصفها كائناً من مرتبة أدنى أو أقل ويتعاطى معها على هذا الأساس، وقيد الثقافة الاستهلاكية المعاصرة التي تنخر في مجتمعات بكاملها وتهمشها عن الفعل العصري العقلاني، وتبقيها أبد الآبدين دائرة في فلك لا تقوى على الخروج من أسره.

ويبقى أن قضية المرأة قضية مركبة، وهي تحتمل مقاربات عدة لرؤية هذه القضية من جوانبها كافة، أخذاً بعين الاعتبار أن قضية بهذا التعقيد هي نتاج قرون لا سنوات أو عقود، رغم ذلك فإن البدء بالإعلام موضوعا للمقاربة أمر مهم لتوكيد المطالبة بالعمل على كسر الصورة النمطية للمرأة في أداء الإعلام العربي، والسعي لتشكيل صورة أخرى للمرأة المنتجة، المبدعة، الفاعلة التي تجابه أعباء الحياة بصورة لا تقل وربما تفوق مجابهة الرجل لهذه الأعباء، والكف عن التأطير الذي حبس المرأة طويلا في هذه الصورة، وصولا إلى معالجة حية لدور المرأة وهي منخرطة في الحياة، لا مجرد مستهلك سلبي للبضائع والعطور وما إليهما.