د. حسن مدن

اللغة ماكرة. إنها في كلمة أو كلمتين تعفينا عن الشرح الطويل. في اللغة إشارة مكثفة، موجزة، صارمة التحديد وبالغة الدلالة. ومن ذلك أن نقول أحيانا: لحسن الحظ، وفي أحيان أخرى: لسوء الحظ. كأن تقول مثلا: لسوء الحظ أتيت متأخرا، أو أن تقول: لحسن الحظ أتيت في الوقت المناسب. انك بذلك تختصر فكرة فحواها أن الحظ حالفك، أو في الحالة العكسية ان الحظ خالفك.

ضربة الحظ! هذه الجملة القصيرة المكونة من كلمتين، مضاف ومضاف إليه، جملة مواربة، حمالة أوجه، لأنها تحتمل الدلالة السلبية كما الايجابية. لتشي مرة بأنه لولا هذه الضربة ما كان لأحدهم أن يكون ما هو عليه، في المكان أو في الوضع الذي هو فيه ولا يستحقه، ولتشي مرة أخرى بأن الحظ ضرب ضربته الموفقة وأعطى المستحق ما يستحق.

في وعينا، وفي لا وعينا أيضا، نحن مشدودون إلى فكرة الحظ، وغالبا ما يتعلق الأمر بما يشبه الأمنية المستحيلة، أو إلى ما هو صعب المنال، حين ldquo;تشطحrdquo; بنا طموحاتنا إلى أقصى حدود الحلم أو التصور، ولا تقف عند حد العادي أو المتوقع أو الممكن. وبين سوء الحظ وحسن الحظ ما يشبه الحد أو الفاصل. فأنت تستطيع أن تقول بما يشبه اليقين انك سعيد الحظ أو سيّئ الحظ، ويمكنك أن تكون أكثر تحديدا ودقة فتقول: إنني في هذا الأمر بالذات كنت سيئ الحظ وفي ذاك كنت سعيده. ويمكن أن تقول عن أحدهم انه سيئ الحظ لكثرة ما تتالت عليه المحن والمصائب، وعن آخر انه سعيد الحظ لكثرة ما تتالت عليه الأفراح والنجاحات.

ثمة قصة قصيرة عن بائع لبطاقات اليانصيب، ولعل عنوان تلك القصة كان: ldquo;بائع الحظrdquo;، وحتى لو لم يكن العنوان كذلك فان الفكرة تدور حول رجل يبيع الحظ للآخرين، فهو مقصدهم يشترون منه البطاقات التي بينها بطاقة الحظ السعيد وينتظرون لحظة إجراء السحب، فلعلها تكون من نصيبهم. لكن فكرة القصة تكمن في أن ldquo;بائع الحظrdquo; كان هو نفسه سيئ الحظ انهالت عليه المصائب واحدة بعد الأخرى، وفكرة القصة قائمة على مفارقة واضحة في أمر رجل يبيع الحظ الحسن للآخرين فيما هو عاجز عن جلب الحظ إلى نفسه.

لكن أسوأ أمر يمكن أن نقع فيه هو أن تتلاشى الحدود وتتداخل المناطق، فتقول ساعتها: لا أعرف إذا كان من سوء الحظ أم من سوئه ان هذا هو ما حصل، أي أن تتساوى الأمور عندك فلا تعود على يقين مما إذا كانت حلوة أم مرة، أن تكون تائها ومشتتا بحيث لا تدرك أكان تصرفك في لحظة من اللحظات صائباً أم خاطئاً، ولا تعرف ما إذا كانت الأمور سارت على النحو الملائم أم أنها سارت على غير ما يرام. في عبارة أخرى: هل سألنا أنفسنا مرة أو مرات: كم من القرارات اتخذناها في حياتنا ولا نزال حائرين في تقدير ما إذا كان ذلك لحسن الحظ أم لسوء الحظ.