الثلاثاء 20 فبراير 2007
د. حسن مدن
كم ينفق العالم العربي على البحث العلمي؟ تبدو الأرقام في هذا المجال مخجلة وباعثة على الخيبة، ليس فقط إذا ما قورنت بما تخصصه الدول المتقدمة، بل إذا ما قورنت بما تخصصه دول أخرى تعد دولاً نامية كالهند وباكستان وكوريا وسواها، بل إذا ما قورنت بما تخصصه ldquo;إسرائيلrdquo;، التي أدركت منذ البداية أهمية مثل هذا البحث في الظفر بأسباب القوة. ورغم العدد الكبير للجامعات والمعاهد العليا في العالم العربي مجتمعاً، وفي كل دولة عربية على حدة، فإن هذه الجامعات والمعاهد أشبه بأماكن تفريخ لعشرات الآلاف، لا بل مئات الآلاف من الخريجين، وأن البحث العلمي بالذات هو في آخر أولوياتها، هذا إذا كان يعد من الأولويات أصلاً. لذا نجد أن خيرة الأدمغة العربية في حقول البحث المختلفة، سواء منها تلك العاملة في العلوم التطبيقية أو في العلوم الاجتماعية، إنما تلمع وتتفوق في الجامعات ومراكز الأبحاث في البلدان الأجنبية وتحديداً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث العديد من الأسماء ذات الصيت العالمي في مجال اختصاصها إنما هي أسماء عربية.
وهناك حديث يدور منذ سنوات عن موضوع البحث العلمي في البلدان العربية من زاوية أن العديد من مراكز الأبحاث في بلدان عربية إنما تعمل بتمويل من هيئات وجهات غربية، وينقسم الرأي بين مؤيد ومفسر ومبرر لهذه الظاهرة، وبين رافض لها جملة وتفصيلاً انطلاقاً من القناعة بأن نوايا الممولين لا يمكن أن تكون بريئة تماماً في الإنفاق على أبحاث ميدانية في البلدان العربية، وأن بعض هذه المراكز كثيراً ما أثار موضوعات ليست على الحدة التي يتصورها الباحثون، بل إن الأمر في بعض الحالات يصل إلى حدود افتعال موضوعات ليست مطروحة أصلاً، وأن ما يجب أن يتوجه إليه البحث العلمي هو قضايا أخرى تتصل بالمعضلات الحقيقية لهذه المجتمعات. ومنذ سنوات تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون لفرض رقابة على مصادر التمويل التي تقدم لبعض الجهات والهيئات المصرية، خاصة تلك العاملة تحت عنوان ldquo;حقوق الإنسانrdquo;، بعد تواتر الحديث عن فساد بعض المسؤولين عن هذه الهيئات وثرائهم المفاجئ، بينما فسر بعض القائمين على هذه الهيئات تفسيرا سياسيا محضا فحواه أن الحكومات العربية تضيق ذرعاً من الدور الرقابي الذي تمارسه مؤسساتهم على أدائها خاصة في مجال حقوق الإنسان، عبر نشر تقارير تلفت أنظار الخارج إلى حقائق غير معروفة.
مثل هذا النقاش يلفت الأنظار إلى الحقيقة المسكوت عنها، وهي أن الحكومات العربية معنية بأن تولي، عبر هيئاتها المعنية وعبر الجامعات والمعاهد العليا، البحث العلمي الأهمية التي يستحقها من خلال تخصيص ميزانيات مجزية له، لأنه ليس ترفاً وإنما هو يدخل في صلب ضرورات التنمية والنهوض بأوضاعنا العربية. ومثل هذا الاهتمام يتطلب بالضرورة مساحة من الحرية والتسامح وشفافية المعلومات والبيانات، واستقطاب الباحثين العرب الذين يتمتعون بالصدقية والحياد والنزاهة العلمية إلى هذه الهيئات المدعومة من الدولة، وإن لم يتم ذلك فإن مراكز الأبحاث الممولة من الخارج، مع ما يثيره وجودها من لغط، مرشحة للتزايد والتكاثر.
غني عن التوضيح أن أي حديث عن التنمية في غياب الدراسات وقاعدة البيانات وبنوك المعلومات والأبحاث الميدانية لن يعدو كونه حديث هراء، أو أن ldquo;التنميةrdquo; التي يدور عنها الحديث تفتقد أهم شروطها وهو التخطيط المستند إلى الدراسة.
التعليقات