تسفي بارئييل - هآرتس

لكم يسهل على الولايات المتحدة التعامل مع النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني: فهي تتمسك بخريطة الطريق ولا تلتزم بها في نفس الوقت. وتسعى واشنطن لتكريس الديمقراطية لكنها تنكر نتائجها. وهي تعارض بناء المستوطنات، ناهيك عن النقاط الامامية، لكنها كانت قد قبلت بها أصلا كأمر واقع. وهي تفضل توافقاً نهائيا، ولكنها قبل تحقيق ذلك، حددت شروطه المسبقة.

باختصار، فإن حل هذا النزاع ليس أمراً ضرورياً، وانما موضوع ترف من وجهة نظر واشنطن. ولعل الأزمة التي تجلب كوندوليزا رايس الى المنطقة تخضع لمبدأ quot;الديك الرميquot;، والذي يقضي بانه اذا كان لديك جناحان، فان ذلك لا يعني بأنك تستطيع الطيران، لكنك تشعر بالحرية في صنع الصخب.

على سبيل المثال، هناك ذلك الصخب واللغط حول خريطة الطريق. وليست هناك وثيقة اكثر غموضا وافتقاراً للتركيز منها. انها شبه انطباعية السمة: اذ يستطيع كل شخص ان يجد فيها ما يريد. هناك القراران 242 و338، والمبادرة العربية، وقرارات الجامعة العربية لعام 2002، ووضع حد للارهاب، وخلق ديمقراطية فاعلة في السلطة الفلسطينية. بل وحتى، وصدق او لا تصدق، هناك التزام اسرائيلي بتمكين الفلسطينيين من ممارسة حياة طبيعية. وتنتشر هذه السَلَطة كلها على الخريطة التي تشبه شرشف الطاولة المخرم، والتي تزعم بأنها تشكل وثيقة عمل، فقط لكونها تشتمل على مراحل وجدول زمني. وهو جدول زمني انتهى وقته، بالمناسبة، في عام 2005.

وحتى لو اعلنت رايس انها ملتزمة بخريطة الطريق, فانه يكون من الجيد لو انبرى احد ما لسؤالها عن الجزء الذي تلتزم به من الخريطة. هل هو الديمقراطية الفلسطينية التي طال انتظارها؟ نفس الديمقراطية التي جلبت حماس إلى سدة الحكم؟ او ربما ذلك الجزء الذي يطلب إلى اسرائيل تمكين الفلسطينيين من العيش حيوات طبيعية؟ ام أنه يمكن أن يكون الجزء الاول من الوثيقة الذي يلزم الفلسطينيون فيه انفسهم باتخاذ خطوات فعالة لتفكيك البنية التحتية للارهاب؟ آه، لكن البنية التحتية للارهاب في العام 2003 هي نفس حركة حماس التي تدير حاليا الحكومة بعد ان فازت في معركة ديمقراطية طالما رغبت واشنطن في رؤيتها تتحقق.

ثمة الكثير من الاجزاء الاخرى في المرحلة الأساسية من خريطة الطريق التي ينبغي إدراكها؛ أولها اعتراف السلطة الفلسطينية بحق اسرائيل في الوجود والعيش بسلام، بينما يتم الاعلان عن وقف تام لاطلاق النار. لكن هناك وقف موجود اصلا لاطلاق النار بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، وفي الوقت نفسه تم توقيع اتفاق مكة أيضاً. لكن هذا، كما نعرف، هو اتفاق غير محبب تم تصميمه لخداع العالم فقط من اجل رفع الحظر عن السلطة الفلسطينية.

لأمد طويل الآن, ما تزال خريطة الطريق قالباً مناسباً يمكن فيه صب محتويات العملية الدبلوماسية. وكانت قد صيغت واقرت على اساس ان عرفات سيخلد ابد الدهر، وعلى اساس ان حماس لا ترغب ولن تقوى على المشاركة في الحياة السياسية في فلسطين، وعلى اساس ان فتح ستكون دائما هي المحاور القسري لإسرائيل، مما يلغي الحاجة إلى تقديم تنازلات. وعلى الرغم من هذه الضمانات، تجشمت اسرائيل عناء تقديم عدد لا يعد ولا يحصى من التحفظات بخصوص هذه الخريطة، كما لو كانت حقاً على وشك أن تصبح خطة عمل.

إننا لم نقل بعد شيئا عن ذلك القسم من الخريطة، والذي يطالب إسرائيل بإزالة النقاط الامامية غير القانونية التي شيدت منذ اذار - مارس 2001، بالاضافة الى تجميد كافة نشاطاتها الاستيطانية. وباستطاعة رايس ان تقول ما تشاء عن خريطة الطريق. ولكن الى جانب الكلمات، فإن واشنطن لم تقم بأي شيء فعلي لتجسيد هذا الالتزام.

إن هذا كله يحتاج الى وضع ورقة عمل جديدة. وهي واحدة تعجز الادارة الاميركية الحالية في واشنطن عن اخراجها. ويعود ذلك بشكل رئيسي الى انها لا تعتقد بان ثمة تهديدا استراتيجياً في الموضوع، لأن الادارة تعرف كيف تتعامل مع التهديدات الاستراتيجية الحقة لا التهديدات الخيالية. فعند الضرورة، تجري الإدارة مفاوضات عملية مع رأس محور الشر، كوريا الشمالية، وتجري مفاوضات مع ليبيا. وهي مستعدة للتحدث مع ايران عن العراق ولاجراء حوار داخل العراق مع عصابات الارهاب التي منحت لقب quot;ثوارquot; او quot;متمردينquot;، لانه عندما يكون ثمة تهديد حقيقي فان المرء إنما يتحدث مع أي طرف ويدفع حسب السعر الرسمي. وفي فلسطين، ومن المنظور الواشنطني، يبدو من الممكن الاستمرار في تسويق القيم، والتوق الى خلق دولة يوتوبية مع نظام يوتوبي، وتأليف وثائق على شرفها، لانه ليس هناك من خطر مباشر في حال لم يجر تطبيقها.