الأربعاء 21 فبراير 2007
د. حسين حافظ
ليس صحيحاً الاعتقاد بأن جميع الدول قد نشأت على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي، إذ لو كان الأمر كذلك لتشرذمت الأمم والشعوب إلى كيانات سياسية، لها أول وليس لها آخر.
لكن الصحيح القول إن الدول في الغالب تتعدد فيها القوميات والمذاهب والأعراق، ويصبح التنوع العرقي والمذهبي على الأرجح سبباً من أسباب نهضة الأمم والشعوب، ويمكن مقاربة ذلك إلى حد كبير بظاهرة تنوع البيئة الطبيعية، مما يضيف إلى الدول إمكانات كبيرة يمكن توظيفها إيجابياً لخدمة النهوض بالدولة بشكل يمكن العموم من الاستفادة من إيجابيات هذا التنوع بطرق شتى.
ومن المعروف ان القومية الكردية، ومنذ نشوء وتشكل الحركة الوطنية التحررية في العراق في الربع الأول من القرن المنصرم، لعبت دوراً كبيراً في عملية ربط القضية الكردية بعموم النضال الوطني العراقي. فمع ثورة النجف عام 1918 انتفضت السليمانية واستمرت انتفاضتها حتى ثورة العشرين في الرارنجية مروراً بكربلاء والأنبار وصولاً إلى السليمانية، حيث شارك الشيخ محمود الحفيد بتلك الثورة المجيدة.
ولا بد من التنويه هنا بأن العرب كانوا من أسبق الأمم تفهما لحقوق الكرد وتلبية لها، وربما يعرف الكثيرمن المثقفين والباحثين بأن أول جريدة كردية نادت بحقوق الكرد قد تأسست في القاهرة سنة 1898 باسم ldquo;كردستانrdquo; على يد أحد أبناء كريم بدر خان، كما أن العراق كان من أسبق الدول بالاعتراف بالأكراد، كونه وطناً يشترك فيه العرب والأكراد على السواء، وكما جاء ذلك في الدستور العراقي لعام ،1925 كذلك كان ذلك واضحا وصريحا ليس من خلال الدستور المؤقت الذي صدر بعد ثورة 14 يوليو/تموز 1958 بل تجسد ايضا حتى بعلم الجمهورية العراقية حينها.
واذا كانت فترة النظام السابق قد اساءت الى الاكراد، فإنها قد اساءت الى الكثير من الطوائف العراقية الأخرى، ناهيك عن دول الجوار ولا ينبغي الاتكاء على أخطاء فترة سياسية معينة لتبرير أخطاء جديدة يمكن أن تكون ضارة بقدر أكبر بالنسيج الاجتماعي العراقي من اساءة أي نظام سابق، فإذا كانت محاولة تعريب كركوك خطأ من الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق فماذا يمكن أن نسمي محاولات تكريدها؟ وكيف تجيز الحكومة العراقية لنفسها تبرير إعادة تهجير العرب من كركوك بدعوى التعويض العادل الذي تحصل عليه كل عائلة عربية قدمت إلى كركوك قبل أكثر من ربع قرن؟ وماذا نسمي المواطنة العراقية الجديدة بعد أن استشرت في العراق ثقافة التهجير بشقيها الرسمي والشعبي؟
إن الحديث عن كركوك وعائديتها لا يمكن حصره بكونه مشكلة كردية وطنية عراقية فقط، ولأسباب اقتصادية بما تضم كركوك من ثروات نفطية، وكذلك لأسباب تاريخية قومية لوجود قوميات كردية وتركمانية وكلدو آشورية وعربية متفاوتة العدد، بل إن مشكلة كركوك تمتد لتلامس جوهر المطامح الإقليمية للعراق ويتداخل فيها الكثير مما يمكن أن نسميه الدفع لحافة المواجهات الوطنية والإقليمية، ويمكن الإشارة هنا إلى قدرة العاملين التركي والإيراني على التأثير في الواقع العراقي بطرق شتى ويمكن مقاربة هذه الحقيقة بقدر كبير بما حصلت عليه إيران من حقوق بحرية في شط العرب بموجب اتفاقية الجزائر عام 1976 جراء تفاقم المشكلة الكردية بين العامين 1974 - 1975.
كذلك فإن الواقع الدولي اليوم لا يمكن ان يسمح بأكثر مما منحته الحكومة العراقية من اسس قانونية ومادية قد ترتفع الى مستوى عملي معين وتعمل على تحقيق الكثير من الطموحات القومية الكردية المشروعة.
فلنجعل من كركوك المدينة التي نجسد فيها كل معاني المواطنة العراقية النبيلة من الحب والسلام والتآخي القومي، لا أن نجعل منها حصان طروادة لتدمير العراق كله.
* كاتب وأكاديمي عراقي
التعليقات