خالد القشطيني

من المناظر الظريفة التي أتذكرها من طفولتي منظر الدب الرقاص. اختفى هذا المنظر الآن من معظم العواصم العربية، ولكن ليس استجابة لنداء الجمعيات العالمية لحماية الحيوانات وإنما لأن الكثير من الأنظمة العسكرية والدكتاتورية في الشرق الأوسط وجدت بديلا عنه. أخذوا يفضلون ترقيص شعوبهم على ترقيص الدببة والقردة. لقد رأيت ذلك بأم عيني في الستينات في بغداد. ألقى رئيس الدولة خطابا عبر التلفزيون، يزبد ويرعد ويهدد، وما أن انتهى من ذلك حتى رأيت جماهير الشعب تخرج الى شارع الرشيد في مواكب حافلة يغمرها الحماس والجذل وهي ترقص، والنساء يزغردن من حولها.

بيد ان الهنود الذين لم يستسلموا للانقلابات العسكرية ولم يتقنوا ترقيص الشعب استمروا بهذه المتعة التقليدية، مشاهدة رقص الدببة. ولكن جمعيات الرفق بالحيوان انتبهت الى هذا الاستخفاف بالأحياء. لاحظت أن أصحاب هذه الدببة ومرقصيها يكسبون قوت يومهم من النقود التي يجود بها السياح الأوربيون والأمريكان. فالهندي يفضل أن يجمع قروشه ليتزوج بها لا أن ينفقها على الدببة الرقاصة. وجهت هذه الجمعية نداء لكل السياح الغربيين بعدم إعطاء أي بيزة لأصحاب هذه الدببة.

هذا في رأيي انتهاك لحقوق الحيوانات لا حماية لها. فمن أدراهم بأن الدببة لا تستمتع بالرقص. هل استشاروها في الأمر؟ من ذكرياتي القديمة، كنت ألاحظ ابتسامة عريضة على وجه الدب عندما كان يرقص رغم أن الابتسام شيء نادر في عالم الحيوان، لا بل ايضا في عالم الراقصات الشرقيات في مطاعم لندن، حيث أجدهن دائما وكأنهن يؤدين طقسا من طقوس دفن الموتى البابلية. وفي رأيي أنه كان الأولى بالجمعية العالمية لحماية الحيوان أن تعمل من أجل حماية هؤلاء الراقصات الشرقيات من هذه المهانة والخدمة الإجبارية، فتدعو جميع الزبائن العرب الى الامتناع عن دس النقود في جيوبهن, أو الامتناع عن الأكل أثناء رقصهن.

بيد أن سلوك هذه الجمعية العالمية ينم عن تمييز عنصري. فهم يعتبرون أن ترقيص الدببة ينطوي على خرق لحقوق الحيوان وتعذيب وحشي له. فماذا عن ترقيص بني الإنسان، أو بالأحرى بنات الإنسان في رقصات الباليه الأوربية؟ هذه عملية من أبشع التجاوزات على الصبيان والصبايا. فهم يأخذونهم اطفالا في سن السادسة او السابعة من العمر ويخضعونهم لأصعب العمليات الرياضية وأشدها ارهاقا لسنين وسنين ليجعلوا الراقصة تمشي وتركض وتنط على أطراف أصابع قدميها حتى تدمي أصابعها. هل بعد ذلك من استهتار بمشيئة الأطفال وإرادة الإنسان؟ لا أدري ماذا تفعله جمعيات حماية الأطفال. هل هي نائمة عن هذا التعسف؟ وكله من اجل امتاع شلة من المترفين والمترفات في مقصوراتهم الارستقراطية التي تتجاوز تذاكرها مئات اليوروات.

كلا يا سادة. اعطوني رقص الدب في الأسواق الشعبية وخذوا كل ما في كازينوهاتكم ومسارحكم وملاهيكم من هز البطون والنط على أطراف الأصابع والدبك في الشوارع احتفالا بالانتصارات الوهمية.