ديانا مقلد

خلال أقل من أسبوع تحولت ظاهرة جرائم اغتصاب نساء وفتيات عراقيات من فعلٍ جرمي مدان، أياً كان مرتكبه وأياً كانت ضحيته، إلى مادة سجال طائفي سياسي وإعلامي.

ظهرت الشابة صابرين الجنابي على قناة laquo;الجزيرةraquo; وتحدثت عن تعرضها للاغتصاب على يد رجال شرطة عراقيين. إنها قضية فعلية ينبغي التوقف بجدية عندها.

كان يمكن لمحنة صابرين أن تكون مدخلا لكشف سلسلة من الاعتداءات والمآسي التي تتعرض لها العراقيات بشكل متكرر وممنهج أحياناً منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. لكن للأسف، لم يتمّ تظهير الأمر الا بصفته أن صابرين (السنية) قد تعرضت للاغتصاب على يد رجال الشرطة (الشيعة)، وفي فخّ هذا العنوان وحده اندلع السجال الإعلامي السياسي.

إذا كانت العراقيات انشغلن في حقبة نظام صدام بحماية أنفسهن والتستر على أبنائهن وأزواجهن وأشقائهن خوفاً من إرسالهم إلى جبهات القتال أو الاعتقال أوالإعدام، فإن حالهن بعد سقوط نظام صدام لم يكن أفضل.

مراجعة سريعة لتقارير منظمات حقوقية وإغاثية واستطلاع سريع عبر صحف ووسائل إعلام غربية (نعم غربية وليس عربية) يمكن بسهولة إدراك حجم المعاناة والعنف الذي تعرضت وتتعرض له العراقيات. فمنذ سقوط نظام laquo;البعثraquo; ارتفعت معدلات الاعتداء على النساء جسدياً وجنسياً في العراق. لكن في ظل عدم إبلاغ العديد من الضحايا للجهات الرسمية وحتى عدم لجوئهن إلى رعاية طبية جعل تقصي الأرقام عسيراً. من دون أن نغفل طبعاً ظهور مجموعات واسعة من الأصوليين سنة وشيعة والذين شرعوا يضيقون على النساء في تحركاتهن ولباسهن حتى اضطرت كثيرات من العراقيات إلى البقاء إما في المنازل أو الخروج مع مرافق. من المؤسف أن تتحول معاناة صابرين أو أي عراقية إلى مجرد نقاط تسجل ضد الخصم. ليس استهداف النساء بالأمر الجديد فقد كانت النساء دائماً من يسارع الأطراف المتنازعون في الحروب والأزمات إلى النيل منهن. إنهن مركز الشرف والعار بمفهومة الضيق والذي يصيب ضربه مجتمعاً بأكمله.

ما يزيد من تعقيد القضية وجود جيوش غريبة وتحديداً أميركية، ثبت تورط عددٍ من أفرادها في جرائم اغتصاب أيضاً.

ما يجري في العراق سيناريو متكرر لأحداث مماثلة جرت في البوسنة ودارفور والصومال ومناطق عديدة أخرى.. فقد تحول اغتصاب النساء في الحروب إلى أداة تمارسها جماعة ضد خصومها.

في العراق، يكاد يتحول السنة والشيعة إلى جماعتين منفصلتين تماماً. هذا الواقع يعرض العراقيات لاحتمال متزايد من استخدام تقنية الاغتصاب للنيل من الجماعة الأخرى في مجتمعات تقيم المرأة فيها في مكان هجاسي وهو واقع يحولها على مادة هذيان دائم.

لم يسجل الإعلام العربي التفاتة فعلية لما عانته العراقيات منذ العام 2003 وحتى اليوم. وما استخدام قضية صابرين على النحو الذي تمّ تداولها فيها سوى مؤشر على عجزنا كإعلاميين عرب عن تحديد الفروق بين كشف المأساة وبين التحريض على استمرارها.

diana@ asharqalawsat.com