الجمعة 2 مارس 2007

عبدالرزاق الربيعي ـ الشبيبة العمانية

في الأيام الأولى من انخراطي في العمل الصحفي طلب مني مدير تحرير جريدتي ( الجمهورية ) التي كانت تصدر في بغداد أن أكتب مقالا حول قضية جنوب السودان لظرف طاريء!! ولأنني لست سودانيا ولم ازر السودان , ذهبت الى أرشيف الجريدة وكان غنيا جدا , وبدأت أقرأ عن الموضوع حتى كونت فكرة كتبت على ضوئها المقال الذي لاقى ترحيبا من مديري وأصدقائي , وبقيت منتشيا سعيدا بهذا (الفتح المبين ) بعد نشره حتى رن الهاتف في مكتبي فسألني المتصل الذي لم يكن من الصعب علي أن أعرف من لهجته انه سوداني : هل أنت فلان الفلان ؟ أجبته : نعم , قال : هل أنت سوداني؟ أجبته : لا , سألني ثانية : هل عشت في السودان ؟ أجبته لا . سبق لك أن زرت السودان ؟ أجبته : لا أيضا قال : فكيف كتبت عن قضية عويصة ومتشابكة؟ قلت له : أنا مواطن عربي , أقرأ وأتابع والأهم من هذا لقد وضعت مشاعري القومية أمامي على الطاولة وأنا أكتب عنه, فقال : قراءة المكتوب وسماع أقوال الآخرين , والمشاعر القومية وما الى ذلك من أمور لاتكفي لقراءة الواقع قراءة موضوعية , هذه القراءة لا يمكن أن تتحقق الا بمعايشة الواقع والاصغاء لنبضه والانغماس بتفاصيله , وأنت عندما كتبت لم تقرأ الواقع بل قرأت مشاعرك الذاتية بناء على ما وصلك من معلومات قد تكون ليست دقيقة , وما بني على باطل فهو باطل !!
عندها اعتذرت منه ودونت في يومياتي هذا الدرس البليغ الذي تعلمته من قاريء مجهول !!
وقبل أيام جمعني لقاء بمجموعة من الأصدقاء وكان لابد للشأن العراقي أن يقتحم علينا المكان فطفق واحد من الأخوة العرب يتحدث عن التنوع العرقي لبلدي وعن الطوائف التي تعيش به وعن تاريخه وأنا أصغي على مضض لأنه ردد على مسمعي معلومات ليست دقيقة فتركت الفضة تنساب و لزمت جادة الذهب !! مراعيا آداب المجالس حتى ارتكب خطأ تاريخيا فادحا فاستأذنته في المقاطعة وصححت له المعلومة , وبدلا من أن يقر بخطأه قال لي : خذ مني المعلومة , قلت له : ولكنك تتحدث عن تاريخ بلدي ؟ أجاب : العراق بلد عربي وتاريخه تاريخنا , أجبته : هذا مصدر اعتزاز وفخر وسعادة لي ولكنه في النهاية بلدي , قال : وهو بلدنا أيضا , قلت آمنت بالله ولكن هل عشت بالعراق ؟ أجاب :لا , سألته ثانية : هل سبق لك أن زرت العراق , قال : لا , قلت : فكيف تزايد على عراقي عجن جسده بطين العراق ؟هل تريد أن تصبح عراقيا اكثر من العراقي ؟ فسكت
لكن محللي الفضائيات العربية لم يسكتوا , اذ انك تراهم يوميا يصولون ويجولون على الشاشات يلصقون الصفات الوطنية بأشخاص ويتهمون آخرين بالخيانة والعمالة وووو وهم لا يعرفون من العراق غير ماكنت أعرفه من السودان عندما كتبت ذلك المقال اليتيم