الخميس 15 مارس 2007
د. علي محمد فخرو
في بلاد العرب والمسلمين سيظل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة احتفالاً شكلياً وفولكلورياً وممارسة quot;مناسباتيةquot; إلى حين تطهير الثقافة الشعبية وفقه البسطاء من تحيّزهما غير الإسلامي ضدّ كرامة المرأة وحقوقها الإنسانية والربّانية. ويستدعي ذلك مواجهة صريحة وحازمة لا غمغمة فيها لكل الأقوال الضعيفة والموضوعة المنسوبة زوراً وبهتاناً لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ورفضاً لكل قراءات الفقهاء الخاطئة وخلطهم الدين بالأعراف وبعض التقاليد الظالمة. ويستدعي ذلك التوقف الواعي عن أية تعبيرات ثقافية، سمعية أو بصرية، تظهر المرأة ككائن ضعيف مغلوب على أمره عاجز عن ممارسة استقلاله وغير منضبط عقلاً وعاطفة وممارسة لمسؤوليات الحياة. يستدعي ذلك أيضاً عدم الاكتفاء بتمجيد المرأة كأم وأخت وابنة وزوجة وجدّة وقريبة... وإنما تمجيدها بنفس القوة والوقوف معها لتصبح امرأة دولة ورئيسة وزراء ورئيسة جمهورية وملكة وقائدة حزب جماهيري.
هل يمكن ذلك في مجتمع يجلس فيه الألوف ليستمعوا إلى داعية دين يدّعي أن quot;عمل المرأة إهدار لكرامة الرجلquot;، فيجعلها حبيسة الاعتماد الكلي، في مأكلها وملبسها وسكنها على غيرها، ثم يضيف بأن quot;المرأة يجب أن تكون محجبة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منهاquot;، فينزع عنها القدرة الذاتية الداخلية لممارسة الأخلاق والعفّة والاستجابة لنداءات ضميرها وحده!
هل يمكن أن يتحقق ذلك عندما يصرُّ أحد الدعاة المؤثرين في الجمهور على أن المرأة تخرج من بيتها للزوج أو للقبر، وينشر بين ملايين المسلمين أحاديث ضعيفة أو موضوعة عن النساء كلعب، أو عن طاعة المرأة كسبب للندامة، والدعوة لمخافتهن، أو ما شابه ذلك؟!
هكذا يعلو صوت قليلي التمعُّن في القرآن كثيري الفقه في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لينسى الناس قول الله تعالى: quot;أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعضquot;، وقوله: quot;مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبةquot;.
ويكوّن ذلك الفهم الظالم وتلك القراءات الفقهية الخاطئة الخلفيّة لثقافة شعبية منحازة ضدّ المرأة حتى النخاع. فصورة مكانة المرأة في الأسرة، في المخيال الشعبي، هي صورة الزوجة المقموعة التي تحرص على طاعة زوجها والسهر على راحته مهما اتصفت تصرفاته بالقسوة والسفالة، كما تمثلها أمينة زوجة quot;سي السيدquot; أحمد عبدالجواد في ثلاثية نجيب محفوظ. وفهم المخيال الشعبي لعلاقة الرجل بالمرأة هي قول عباس محمود العقاد من أن تركيب الأنثى خلق للاستجابة ولم يخلق للابتداء، ومن أنها تتلقى عرفها من الرجال. ونظرة واحدة لممارسة الزواج بين أفراد جموعنا الأمية تذكّر بأحد أبطال رواية quot;موسم الهجرة إلى الشمالquot; للطيب صالح الذي يرى من امتيازاته أن quot;يبدّّّّّّّّّّّّّّّّل النساء كما يبدّل الحميرquot;. وفي السينما العربية تصور المرأة كإنسان مهزوم منسحق خائف متردّد بليد ضائع. وفي الأغنية العربية المسموعة والمصوّرة يركّز على كل ما يرمز إلى الجنس الشهواني في الصوت والحركة والحشرجات بشكل يفوق حتى أشدّ الابتذال في المجتمعات الغربية المقلّدة.
والواقع أن التحيّز ضد المرأة العربية هو تحيُّز مزدوج. فإضافة إلى كل أنواع التحيّزات التي تمارسها المجتمعات البشرية الأخرى، سواء في الشرق أو الغرب، للحطّ من كرامة وإنسانية المرأة، فإن لنا تحيّزاتنا الخاصة بنا، يؤكدها خطاب ديني مخالف لروح الإسلام ومقاصده الكبرى، وترسّخها أعراف وتقاليد وسلوكيات قبلية بدائية لم يستطع الإسلام أن يزيلها.
مجتمعاتنا تعجّ بالأقوال التي تتناقض مع الأفعال، وبالنوايا الطيبة التي لا تحفرها الإرادة في أرض الواقع، وبالعواطف السطحية التي تفضحها ابتسامات السخرية والكذب على النفس. وأوضح ما نرى من كل ذلك عند تعاملنا مع المرأة، في الفقه والثقافة.














التعليقات