الخميس 15 مارس 2007

ناصر الظاهري

بعض المشاهد لا يمكن أن تمحى من الذاكرة مهما طال بها الوقت، منها: في أحد المراكز التجارية الضاجة بالناس، القليل منهم جاء يشترى، وأكثرهم جاء للفرجة، دخل زوجان يصحبان طفلهما أو يسحبانه لا فرق ظاهرا بين الكلمتين، وبين منظر هذه العائلة التي لا يبدو عليها الاستقرار أو السعادة أو حتى فرحة الخروج من المنزل، دخلت العائلة المسمومة حيث يكون الزحام، عربات تسابق بعضها، نساء يتدربحن من كتل الشحوم وأوجاع الركب المبكرة، صغار يتراكضون مبعثرين صفوف المارة، وحيث تكثر مضايقة المراهقين للفتيات وسط ضحكهن أو عبوسهن أو مسباتهن، وحيث تكثر نظرات العمال البائسة، والفضولية لبناطيل الجينز النسائية، وسط ذاك الصداع والضجر الآدمي، ربما كثرت طلبات مشتريات الزوجة، وبطء حركتها، ووقوفها عند كل محل، صراخ الأطفال وضجيجهم ''بزى'' الطفل، حبيب أمه، وتشرطه، والزوج من يدري بظروفه، ربما تعب في نهار العمل يومذاك، وربما أجبرته الزوجة على غشي المركز التجاري اجباراً، وربما بعد وجبة دسمة، لا يكاد يستطيع أن يتنفس على إثرها، وربما حرمته من قيلولته المفضلة، المهم في ساعة الضيق التي لا يدري الإنسان كيف تهجم عليه فجأة، ساق طفله، دلوعة أمه كفاً، فاستدارت له زوجته، وأكفهر وجهها، كلبوة تحمي طفلها، وناولته ''طراق'' -لا الطراق هذاmiddot;middot; لتلاميذ المدارس- ''راشدي'' فانتبه أنه ليس في البيت، وإنما في مركز تجاري يغص بالناس، حينها انتكس عقال الرجولة، وارتخى شنب الفحولة، وانتفضت الذكورة، فطّير هو الآخر لها كفاً من الذي تسمع شهقته، وكف من الزوجة المصون، وكف من الزوج المطعون، حتى أحمرّت الوجوه من الصفع، ووجوه المشاهدين الكرام من الخجل، واتفرجmiddot;middot; على رحى الشجار الدائرة بين الزوجين غير السعيدين في معمعة السوق، حاول المصلحون، وأهل الخير، ومسؤولو صناديق الهلال الأحمر، لكن الحادث مثلما بدأ بالطراق، انتهى بالطلاق، وحده الطفل كان ضحية في البدء وفي النهايةmiddot; في إحدى المدارس، وبدلاً من أن يقوم الأساتذة بتفقد طابور الصباح، وتحية العلم، والعمل على تنشيط الإذاعة المدرسية، واكتشاف الموهوبين، والمبرزين في الأنشطة المنهجية، واللامنهجية، تشاجر الأستاذان من مربي الأجيال أمام طلبتهما الكبار والصغار في ساحة المدرسة، ضاربين المثل الأعلى في القدوة والعمل التربويmiddot; المتشاجران: أستاذ اللغة الإنجليزية، وأستاذ التربية الرياضية أو البدنية بشكل أصح، اللذان أكدا على عدم صحة القول المأثور، لاmiddot;middot; ليس قم للمعلم، قول مأثور آخر، يبدو لي أنه عسير الفهم، وأحياناً كثيرة يكون محرجاً، ولا ينطبق تماماً على المعنيين، وهو العقل السليم في الجسم السليم، المدرس الأول: يؤمن أن العقل ''التخين'' في الجسم السمين، والثاني يؤكد له: أن الجسم السليم في العقل السليم، وكلاهما على خطأ، لذا، تعارك المربيان، واحد المخ والآخر العضلات، مدرس الرياضة، لا شك أنه قوي البنيان، مكتنز العضلات، عريض المنكبين ''شلولخ'' ومدرس اللغة الإنجليزية، يبدو أنه سمين، بطين، يرتدي نظارة تسعفه قليلاً على البصر، صعب التنفس، يتعرق باستمرار، أكثر خجلاً من مدرس الرياضة، لذا كان الضحية، وأعتقد أنه تلقى هذه المرة ليس ''طراق ولا راشدي'' من امرأة، ولكن كم ''بوكس'' ومن مَنْ؟ من مدرس الرياضة، عفواً مدرب الرياضة، الذي كال له أكثر من صاع وصاعين، وخاصة، أن شجعه الطلاب المشاغبون، وأنصاره الذين يحبون درس الرياضة أكثر من درس الإنجليزي، وأولئك الذين يكرهون مدرس الإنجليزي ومادته الصعبة، ويفرحون بالكورة والملاكمةmiddot;