صلاح عيسى
علي امتداد الأيام الثلاثة التي تبدأ غداً، تصل التعديلات الدستورية إلي محطتها قبل الأخيرة، وخلالها يناقش مجلس الشعب - عبر ست جلسات عامة - الصياغات النهائية للمواد الـ٣٤ التي طلب الرئيس تعديلها، لينتهي مساء الثلاثاء القادم من إقرارها.
وإذا كان من غير الإنصاف أن يبالغ بعض المعارضين فيصفون التعديلات الدستورية المطروحة، بأنها كارثة وعودة للوراء، في الوقت الذي تتركز فيه معارضتهم لها في مادتين فقط، هما ٨٨ الخاصة بالإشراف القضائي علي الانتخابات، و١٧٩ الخاصة بالإرهاب، بينما يقبلون ٣٢ مادة منها، بل يعتبرها بعضهم خطوة للأمام، فليس من الإنصاف - كذلك - أن يتجاهل أحد أن المادتين مناط الاعتراض، تنطويان بالفعل علي مخاطر تتعلق بحقوق دستورية أساسية ومهمة.
ولو أنصفت كل الأطراف لسعت للتوصل إلي توافق حول الصياغة النهائية للمادتين خلال المناقشات العامة التي ستجري في مجلس الشعب هذا الأسبوع، وهو في تقديري أمر ممكن، لو كان الهدف هو التوصل إلي هذا التوافق، وليس مجرد اللدد في الخصومة، التي تدفع كل طرف للتمسك بموقفه لأسباب أخري لا تتعلق لا بالديمقراطية ولا بالمصلحة العامة.
ولعلي لست من المتحمسين لشعار laquo;قاض أمام كل صندوقraquo; الذي تستند إليه المعارضة في رفضها لتعديل المادة ٨٨، ليس فقط بسبب الصعوبات اللوجيستية التي بني عليها طلب التعديل، من حيث قلة عدد القضاة والآثار السلبية لامتداد الانتخابات لأسابيع تتعطل أثناءها مصالح المتقاضين، ولكن - أيضاً - لسبب أكثر أهمية، يتحدث به الجميع همساً، وهو أن الإشراف القضائي بهذه الطريقة، قد أقحم القضاء في الصراعات الحزبية علي نحو يثير القلق علي مستقبل العدالة، إذا ما تواصل توريط القضاء في عملية هي بطبيعتها حزبية، مما يفقده حياده ومهنيته، ويحول بعض القضاة إلي زعماء حزبيين يستغلون مناصبهم الرفيعة لدعم أحزاب بعينها.
وفي مصر ست مؤسسات تنتمي لمصر laquo;الدولةraquo; لا لمصر laquo;الحكومةraquo;، ولمصر laquo;الوطنraquo; لا لمصر laquo;الحزبraquo;، هي القضاء والجيش والشرطة والكنيسة والمسجد والإدارة الحكومية، ينبغي أن نقف جميعاً ضد كل وضع أو شخص يحاول - من داخلها أو خارجها - أن يقحمها في المجادلات السياسية أو الصراعات الحزبية، أو يخرج بها عن دورها المهني، أو يدفعها للانحياز إليه دون غيره من المصريين، علي أساس ديني أو مذهبي أو جهوي أو حزبي، إذ لو حدث ذلك لما كانت هناك مساواة أو حرية أو ديمقراطية، بل لما كان هناك بلد من أصله.
بصراحة أكثر فإن مهنية القضاء ووقايته من غواية الزعامة الحزبية، ومحاولات الاختراق الحزبي، أهم لدي من نزاهة الانتخابات، التي يمكن تحقيقها بتشكيل اللجنة التي يقترحها التعديل، وكل الضمانات التي تكفل لها إشرافاً نزيها ومحايداً.
ولو توصلت المناقشات التي تجري في مجلس الشعب هذا الأسبوع حول نص المادة ٨٨ إلي نقل laquo;الفرزraquo; من اختصاص لجنة الاقتراع، إلي اختصاص اللجنة العامة التي تتشكل من القضاة، فإن ذلك - في تقديري - يكفل حداً أدني من التوافق حول النص.
ولو توصلت هذه المناقشة، إلي تعديل للنص المقترح للمادة ١٧٩ بحيث تقضي صراحة، بأن أي تقييد للحرية لابد أن يكون بحكم قضائي، بما يحول دون عودة الاعتقال الإداري والكيفي، فإن ذلك - في تقديري - يقلل من حجم المخاوف المشروعة من هذه المادة.
أما المهم فهو أن يدرك الجميع أن التعديلات المطروحة، ليست كل ما يتطلب التعديل في مواد الدستور، وأن تحديث النظام السياسي، وتحويل مصر إلي دار للمصريين جميعاً، ينعمون فيها بالحرية والإخاء والمساواة، عملية متدرجة تتطلب صبر أيوب وقوة هرقل.. وكثيراً من العقل والحكمة!
ولتكن يد الله علي قلب الذين يسعون لأهدافهم صفاً واحداً.
التعليقات