سمير عطا الله
عدت إلى لبنان بعد أربعة أشهر. تطلعت في رؤوس الجبال فوجدتها لا تزال مغطاة بالثلوج. وبالبحر فوجدته رائعا يتمرى في سمائه. وفي السهول والحقول فإذا الخضرة تكسوها غمرا. وقد بدأ شجر اللوز يزهر وبراعمه تقدم أجمل عروض الطبيعة في هذا الوقت. فاليوم الحادي والعشرون من آذار هو أول الربيع هنا. ويسميه البعض شهر نوار، لأن حلكة الليالي تقصر وشروق الشمس يطول. ولأنه أول الربيع فقد جعل أيضا عيد الأم، اذ يكون في الحقول ما يكفي من الباقات كي تقدم اليها.
تتناغم الطبيعة في لبنان مثل جوقة فيينا الشهيرة للاطفال. أو مثل مدرسة الخيول الاسبانية فيها ايضاً. تذوب الثلوج على الجبال فتتفجر الينابيع في الأودية، فيخضر الشجر فرقاً فرقاً، حسب قرب المواسم وبعدها. ويتنادى الزهر. وتطل الطيور، عابرة ومقيمة. وبعضها يغني. ويبدأ الاطفال بالخروج الى الساحات، ومعهم فرحهم الصغير، وقد بدأوا يتخففون من احمال ثيابهم الشتوية.
لا تتغير الطبيعة في لبنان. تأتي الفصول وتمضي ولا فرق في مواعيد الغدو والذهاب. لا شيء تقريباً يتغير. ولا أحد أيضاً. فعندما طالعت الصحف في الصباح اعتقدت انها تلك التي صدرت يوم سفري: المحكمة الدولية والحكومة. هل هي محكمة معدلة ام لا. وهل الحكومة 19 زائد 11 زائد واحد ام زائد واحد 11 زائد 19 ناقص اربعة، اضافة الى ثلاثة معها اربعة.
لم يتغير شيء. هناك فقط تطور بسيط في استخدام التعابير. فبعد ان كانت الاكثرية النيابية توصف بأنها اكثرية laquo;وهميةraquo;، اطلق الجنرال عون على أعضاء الموالاة بأنهم لقطاء. واستخدم في ذلك تعبيراً عامياً لا يجوز نقله في الصحف التي توزع خارج لبنان. وهدد الجنرال عون بأنه سوف laquo;يفك رقبةraquo; كل من يخطر له مخالفة الدستور في انتخابات الرئاسة المقبلة.
غريبة عناوين الصحف اللبنانية. يذهب فصل ويأتي فصل وهي لا تتغير. يوم وعد ويوم رعد. يوم اتفاق يوم فراق، يوم خناق يوم عناق، يوم laquo;فتح الاسلامraquo; واعترافاتها وغداً laquo;فتح الاسلامraquo; وانكارها. فصول كثيرة ولا حلول. بلد يأتيه الربيع بالاغمار ويأتيه الأمل مثل قمر كانون كل طلة خلفها غيمة سوداء. وفيروز تغني laquo;القمر بيضوي عَ الناس والناس بيتقاتلواraquo;.
يحل فصل الربيع من دون أن يستأذن أحداً. لكن الأمل بالحل في لبنان عليه أن يستأذن جميع الدول والأمم والشعوب والمنظمات. وقد بدأت حلكة الليل تقصر واشراق النهار يطول.
التعليقات